تعد الرواية إحدى أهم الأجناس الأدبية في جانب النثر، ولها أن تمد الدراما المحلية بعدد من النصوص التي يمكن أن تنتشلها من حالة الضعف التي تعيشه، أو الركود الإبداعي في أقل الأحوال توصيفا لحركتها. لكن ذلك لم يتحقق على ما تعيشه الرواية -في المدة الأخيرة- من توهج النتاج، ووفرة العطاء، وتنوع الطرح. البحث عن الحلقة المفقودة بين النتاج الروائي وضعف التلقي الدرامي أمر مهم طرحه، لا سيما محاولة تقصي الأثر الإعلامي في هذه العلاقة تأثراً وتأثيراً.
الباحث عن العلاقة بين الرواية والدراما يجدهما تشتركان في شيء واحد مهم؛ هو النص.. النص الذي يحوي توصيف الشخصيات، ورصد الأحداث، وبناء المشهد. تنوقلت عبارة «أزمة النص» بين منتجي الدراما عموماً وبالأخص في الدراما السعودية، وتشتد هذه العبارة توهجا في ظل ضعف المنتجات الدرامية التي تشهد زخماً في الإنتاج والعرض، سيما الرمضاني منها، فكانت العذر الذي يسبق الإخفاق.
المتأمل بقليل من النظر يطرح سؤالاً مهماً؛ أين هي نصوص الرواية السعودية من دعم الدراما المحلية؟ الإجابة ليست بالهينة، فالروايات الصادرة أيضاً تحتاج إلى نظر في مستواها الفني وعلو طرحها المضموني، لكننا سنفترض وجود العدد الكافي من الرواية المنقذ للغرق الدرامي. من خلال التالي:
أولاً: الرؤية الداخلية:
بداية أقترح مصطلح (درمنة الرواية), وهو العمل القائم على تحويل الرواية إلى عمل درامي بعد القص والتشذيب والتهيئة. هذا العمل يحتاج إلى كاتب متمكن من كتابة (السيناريو)؛ حيث إن نقل المشاهد الروائية المحكية إلى مشاهد بصرية، تحتاج إلى معرفة كيفية التنقل بين اللوحات الحوارية داخل المشهد الدرامي. فـ (المنولوج) حديث النفس -مثلاً- داخل الرواية له تقنياته الخاصة المقنعة للمتلقي بعد أدائه دراميا. بعد وجود (السينارست) المتمكن تبرز أهمية وجود منتج مؤمن بأن الرواية القوية في حبكتها، الممتلئة بأحداثها، هي المنقذ من الغرق في بحر (أزمة النص)؛ إذ قلة كُتَّاب الدراما، أو غيابهم، أو حتى تكرار الطرح الضعيف، يمكن تعويضه من النتاج الروائي. ولا يكتمل العمل إلا بوجود مُخرج يمتلك رؤية نافذة في تقديم العمل الروائي إلى عمل درامي، يخرج به من نمط النصوص المعتاد عليها في أعماله الماضية.
ثانياً: الرؤية الخارجية:
الرؤية الخارجية ذراعها الأول هو الإعلام، فالإعلام الذي يهدف إلى الربح فقط دون أن يستحضر أهمية دوره في رفع ذائقة المتلقي لن يؤمن في الغالب بأهمية الترويج لعمل منعكس عن رؤية أدبية راقية -ما لم تكن الرواية لها صدى بين الجمهور- فهو لن يدخل في رهان جانبه الأكبر الخسارة كما يظن.
دراسة الدراما في جامعاتنا منحصرة في أروقة كليات الإعلام إذا ما أريد دراسة عمل درامي ما في حدود انعكاساته على المجتمع وأثره فيه. تلك الدراسات لا تلتفت إلى جودة النص، وحبكة البناء، وأبعاد الشخصيات بالقدر الكافي الذي ينظر إليه المتخصص في الأدب. وفي ظني، المفترض أن يكون هناك تشارك في تقويم العمل بين أساتذة اللغة والأدب مع أساتذة الإعلام -وهنا مقترح ثانٍ- فمن أدوات التأثير: الحبكة القصصية، طريقة العرض، ودراسة أبعادها، مما يجعل من تقويم العمل شاملاً حتى للنص نفسه، لا مجرد أثره.
لا ينبغي الوقوف عند تجارب يسيرة ظهرت على استحياء، مثل مسلسل: (أبو شلاخ البربمائي) 2006م المقتبس من رواية د.غازي القصيبي -رحمه الله- فوجود تجارب درامية ناجحة مأخوذة من جانب الأدب عموماً مشجع للغاية، فهناك أعمال درامية جاءت من نصوص السيرة الذاتية لعدد من الشخصيات الشهيرة.
النجاح الذي حصدته تلك الأعمال، لا يمكن أنها قامت على شهرة الشخصية وحدها؛ ففي العمل الدرامي لا مكان للاعتماد على نجاح العنصر الواحد. من هنا لا يمنع أن تكون الرواية عملاً درامياً ناجحاً، إذا تهيأت لها الأدوات المناسبة لتقديمها.