* يخلع المشجبُ أذرعَه التي احتضن بها العالَم، لم يعدْ هنالك ما يستحقُّ أن يرفعَ يديه إليه. لمَ يتوجّب على المشجب أن يكون محمّلًا بالخطايا واللعنات التي تُصبّ عليه، فيما يحظى نظيرُه التمثالُ ذو الأيدي الأخطبوطية في المعبدِ «من وجهةِ نظره» بأطواق الزهور والشموعِ وعلب الحلوى!
* الكلُ يعلق ملابسَه على المشجب_ متسخةً كانت أم نظيفةً_ و ننظر إلى الأمر بعين الجملِ الأعور، لكن حاجةِ الجمل جعلت عينه ثاقبةً بارعةً في تتبعِ مواطن العشب، في حين أن جملنا يرتدي نظارةً سوداءَ لا نرى فيها سوى عتمةِ ليلٍ بهيمٍ في مفازةٍ جرداء!
* يرددُ «خبراءُ التفاؤل» على مسامعنا كثيرًا أن نتجنّبَ النظر إلى النصفِ الفارغِ من الكأس، لكنّ أحدًا منهم لم يذكر قبلًا أن الآخرين «المشجبَ» الذي نعلق عليه أخطاءَنا _ العبارة التي يكرهها المشجب كثيرًا_ يمكن لهم أن يكونوا مشجبًا لسعاداتنا الصغرى أو الكبرى!
* حين كنتُ في المرحلةِ الإعدادية، وصلتني دعوةٌ من جيراننا لمرافقتهم لرؤيةِ منزلهم الجديد، وكان السبب الذي حاولتْ به الجارة إقناعَ أمي بفكرةِ ذهابي مساعدة ابنتيها_ اللتين كانتا في سنّي وزميلتين لي في المدرسة أيضًا _ في قراءة اللوحاتِ الإرشادية على الطرق!! لم ترُقِِ الدعوةُ ولا سببها لوالدتي، ورغم أنّها كانت دعوةً غريبةً حقًا لكنها كانت ودودة.
* الآن وأنا أسترجع هذه الذكرى أقول ربما عمدت تلك السيدةُ إلى هذهِ الطريقةِ الفريدةِ من نوعها لتعبر لعائلتي عن امتنانِها لصداقتي لابنتيها، وكان من الطبيعي أن أفرحَ بهذا كله فقد توفرت لي «ثالوث السعادة» نزهة ورفقة طيبة وقراءة_ برغم أنني لم أحصل عليها فعليًا_ لكنّ الرسالة وصلت دون الحاجة لمظروفٍ أو موظف بريدٍ يبدو مثل شكري سرحان في فيلم «البوسطجي» يتلفه بفضوله ويضيع معه «المكتوب»!
* يمكن لهذه السيدِة أن تكون مشجبًا لفرحي «المنقوص»، مثلما يمكن أن تكونَ صورة _ مطاطية الأبعاد_ يرسمها لك طفلٌ، أو حذاءُ دميةِ البورسلين المكسورة الذي صار حاملًا لقلمٍ برأسِ ضفدع، أو حتى رسالةً تفتتح بها صباحك، كلها يمكن أن تصبح مشاجب «لها ألوان الطيف»!
* مرت سنواته الطويلة وهو ينتظر.. قبل أن يودّع العالَم، خلع المشجب أذرعه ليكون «الأجذم» الأول من نوعه!