(1)
يظل الإنسان مَرْشَحة لكل ما يدور فيه وحوله إلا أن الأشياء تصله أفقية غالباً وتعْبره. طعنة من الخلف بشكل أفقي، صفعة من الأمام، يد تُبْسَط للمصافحة، التي قد يكون من بين خياراتها (السلام فعلاً). بل حتى الموت، كثيراً ما أتخيل أنه يجيء بشكل أفقي!
لا شيء يصل إلى هذا الإنسان بعمودية مسالمة - غالباً أيضاً - بعد السَكِينة التي ينزلها الله، إلا الماء حين الاستحمام، أو ثيابه التي يرتديها بشكل عمودي.
يلتقي الأفقي والعمودي في نقطة الإنسان على شكلِ (زائد)، بحضور شديد للنقص والتناقض. على الرغم من أنه في عين شكل (الزائد). ويكابرُ كثيراً على أنه نقطة التقاء كمال ونقص (على شكلِ زائد).
(2)
تبعات الأشياء: النسخ الكثيرة التي (تقول) لنا في كل مرة (الفعل) ذاته، ولكن بالتفصيل. لِمَ لا تكتفي الأفعال بنفسها!؟ بلا تبعات ولا أعراض انسحابية!؟ ولِمَ هي مثار انفجار دائماً!؟ ومنها تبدأ وتنتهي إليها دورة الأفعال وردودها!؟ أم أنها قصة تسميات ومصطلحات وفقط. خدعتنا بها الدراسات النفسية، ورهط من الفلاسفة، وأنها ليست إلا نحن بعد فعل ما، بطريقة سريعة أو متريثة تقول الفعل ذاته بنا حين نَكُون نحن الفعل المرسَل أو المستقبَل؟!
(3)
في حالات مرض فقر الذوق والمنطق، يتبدى الطويل والقصير من فصائل إن لم تكن معي.. على هيئة قوارض وجنادب بشرية، منتفخة تماماً بذاتها ترينا أنها بحاجة إلى كل هذا التيه، والتخبط، والضجيج، وتصدير الضجيج، واستيراد الضجيج، وجمركة الضجيج، وتوزيع الضجيج، وبيع الضجيج، وتبني الضجيج ولوك الضجيج، لترينا نفسها بكل هذه الحفلة! الذوق قبل كل شيء ليس في تنسيق ألوان الأثاث، والملابس بمنطق الضجيج وكما يؤمنون!! الذوق منطقة فكرية إنسانية خام. تتشكل صلصالياً بكل حالات الوعي، والمعرفة، والخير، والجمال الرحب.
(4)
وأذهبُ إلى آخر الصف، حيث دائماً توجد أماكن خالية في الخلف..
أغوتا كريستوف*
نعم يا أغوتا، الخلف والمكان الأخير لا يعني بالضرورة هرباً، أو انزواءً. في القاعات الأوبرالية يقف المهتم في الخلف بعيداً عن ازدحام الصفوف الأمامية. في القصة السينمائية، يجلس البطل في المقعد الأخير من الحكاية غالباً. يجلس الشاعر بحثاً عن مقعد شاغر ليُجْلِس قصيدة. وعني أبحث دائماً عن هذا المقعد لأُجْلِس قنينة الماء وكومة (المَلازِم).. الخلف والمكان الأخير ليس سيئاً على الدوام. أو المكان المناسب للنوم في قاعة دراسية!! لكل درجة مزاياها الصغيرة. أن تُطِلّ على العالم من المكان الأخير من خلفه، بعد أن حفظت أمامه بكل تضاريسه الروحية، فإنه يُخيِّرك بين أن تدير وجهه إليك وتزرع نخلة، أو أن تُكوّره لركله بلا أسف.
** ** **
* أغوتا كريستوف: كاتبة مجرية معروفة. لم يترجَم لها كثيراً إلى العربية. وترجمة الاقتباس هنا من مجموعة قصصية بعنوان «من منفى لآخر» للمترجم الدكتور: محمد محمود مصطفى.