سعدنا في الآونة الأخيرة بتحرك بعض المؤسسات الثقافية لتكريم عدد من القامات الإبداعية في وطننا الغالي، كانت ولا تزال منبعا ثريا للعطاء، وممارسة الفعل الإبداعي بإخلاص وحب وتفان منذ عقود، وقد تجلى ذلك من خلال تكريم بعض الرواد مثل: الشاعر الكبير محمد العلي، والباحث محمد القشعمي، والفنانة التشكيلية صفية بن زقر ضمن مبدعين من دول الخليج خلال الاجتماع الـ19 لوزراء الثقافة والإعلام لدول مجلس التعاون الخليجي في المنامة.
وفي تكريم مؤخرا المسرحي الكبير عبدالرحمن الحمد من قبل فرع جمعية الثقافة والفنون في الأحساء، و قبل أيام كرم الشيخ صالح بن حميد، الفائز بالدورة السادسة من جائزة كتاب العام والمستشار في الديوان الملكي وإمام وخطيب الحرم المكي، عن كتابه «تاريخ أُمّة في سير أَئمّة» الصادر عن مركز تاريخ مكة المكرمة التابع لدارة الملك عبدالعزيز العام الماضي من قبل الدكتور عبدالعزيز خوجة وزير الثقافة والإعلام، وذلك في مركز الملك فهد الثقافي، كما كرم قبل فترة ليست بعيدة أيضا كل من الدكتور عبدالله أبو داهش، والشاعر أحمد بيهان، والقاص محمد علي علوان من قبل نادي أبها الأدبي.
وهذا توجه جيد وصحي، يدعو للتفاؤل حيال تحسن موقعية التكريم في حركة الثقافة والإبداع شريطة تكثيفها، لأن لدينا العديد من الرواد والمبدعين الذين يتوجب على وزارة الثقافة ممثلة في الأندية الأدبية وفروع جمعيات الثقافة والفنون الالتفات إلى تقديرهم وتكريمهم قبل أن يقعوا فريسة الوهن والمرض وتنفلت من بين أصابعهم خيوط الإبداع، أو يشدو عصا الترحال نحو دار الحق وفي القلب غصة.
والتكريم إذ يأخذ بعدا تقديرا هو أيضا محفزا على الإبداع والعطاء، كما أنه يعرف الأجيال الشابة على منجز المبدعين ويشجعهم على سلوك ذات الطريق بخاصة إذا ما ترافق الاحتفاء بالمبدع بطباعة منجزه الإبداعي وتقديم قراءات نقدية حوله. والمؤسسات إذ تخطو خطوات أوسع تجاه تكريم المبدعين والاهتمام بهم فهي تكرم نفسها من خلال تبنيها هذا الدور الحضاري الراقي، إذ يكفي أن يقترن اسمها بفعل حضاري و ظاهرة صحية من ظواهر المجتمعات المتقدمة، تتمثل في تقدير المبدعين وتكريم جهودهم، والاحتفاء بمنجزهم، والاعتراف بجميل ما قدموه.
كما أن اقتران اسم مؤسسة ما باسم هذا الرائد المحتفى به وإن لفترة وجيزة، يعزز دورها التنموي ويكسبها حضورا أقوى في الساحة الثقافية وفي الوجدان الشعبي ويضفي عليها مزيدا من الألق وتسليط الضوء على مناشطها وفعالياتها وإصداراتها بدرجة أو أخرى.
وبهذا نرى أن التكريم، لا يعود بالنفع على المبدع فحسب، وإنما هو فعل حضاري متعدد المكاسب، حيث يكسب فيه الوطن، وأبناؤه، والأجيال المقبلة، كما تكسب من خلاله المؤسسة المكرمة نفسها.
وتزداد قيمة وأهمية التكريم ويتضاعف مردوده عندما يتم في حياة المبدع، لأن التكريم يعني في جانب منه تقديرا لمنجزه ولما قدم من إبداع وما بذل من مجهود، واعترافا بما أسدى من جميل، وفي جانب آخر منه تحفيزا له على المزيد من العطاء، وفي هذا تحقيقا لمزيد من المكاسب للوطن، وإسهاما في نهضته الحضارية، فالإنسان هو الثروة الحقيقية وعليه يقع الرهان، و التنمية الاجتماعية لأي مجتمع تنطلق من الإنسان وتعود إليه، في حين قد يؤدي تجاهل بعض المبدعين إلى قتل روح الإبداع داخلهم أو تحجيم عطائهم، كما قد يخلق تيارا من المحبطين، والخاملين. حتى لو قيل إن منجز المبدع هو خير محفز له، يظل الإنسان تواقا للاعتراف بمنجزه وتقديره، فالإبداع لا ينطلق من عدم صرف وإنما يحتاج لبيئة حاضنة ومعطيات كي ينشأ وينمو وهو بالتالي نتاج تفاعل إيجابي بين الفرد والمجتمع والبيئة، والمبدعون يدفعون من وقتهم وصحتهم وأعمارهم أثمانا له.
لذا نرجو أن تتبنى كافة مؤسساتنا الثقافية، من فروع جمعيات الثقافة والفنون وكذلك الأندية الأدبية دورا أكثر فاعلية تجاه الاحتفاء بالرواد وتكريم رموز الأدب والثقافة من المبدعين في وطننا في حياتهم تقديرا لما بذلوا من جهود وتثمينا لعطائهم، وحتى لا تتنكر الأجيال مستقبلا لما قدموا من تضحيات في سبيل نهضة الوطن ورفعته. وفي هذا دعما للحراك الفني والثقافي.
ومن هنا نتساءل: متى يتحول تكريم المبدعين من قبل مؤسساتنا الثقافية من حالات فردية تطل من وقت لآخر على استحياء إلى ظاهرة صحية، واحتفالية ثقافية متكررة يحتفي من خلالها بالمبدعين ومنجزاتهم؟