Culture Magazine Thursday  23/05/2013 G Issue 407
مداخلات
الخميس 13 ,رجب 1434   العدد  407
 
العالِم العاني والمرشح المناصرة
(الهُوية تبرز والخطر يحدق!)
عبدالله بن سعد العمري

 

حمل الأسبوع المنصرم مفاجآت كثر, بعضها تأملية, وأخرى صادمة, وهي ستمضي كغيرها إن لم نسهم بالحديث عنها كدروس أكثر منها مواقف!

وتمضي بنا الأيام تترا حتى نقول عن أشياء لطالما رددنا صوابها إنها مخطئة, وعن أشياء لطالما نفينا وجودها إنها واقع, وهي في كل الأحوال دروساً تهدي علينا الحياة بعضها تارة, وتارة أخرى نكون هدايا الحياة إلى غيرنا!

في الأسبوع الماضي جاءت رسالة تحمل دين الهُوية وصلاتها, ثلاثة وخمسون عاما قضاها العالم اللغوي العربي البروفسور سلمان العاني في أمريكا, مدرسا بإحدى أعرق جامعاتها, وهي جامعة إنديانا بلومنغتون. هذا العالم الذي بدت عليه هيبة السنين؛ لم يستسلم لريحها التي تنحت الصخر, فبقي صامدا يوجه نفسه في خدمة اللغة العربية عبر علم اللغويات - اللسانيات -, كونه يحمل تقدير الكثير من الأمريكيين, والذين ما إن علموا تفوقه قبل أكثر من خمسة عقود حتى أثنوا إليه ركبهم, طالبين علمه من جهة, ومفاخرين به بين جامعاتهم من جهة أخرى!

وما إن شرف هذا العالم الكبير أروقة جامعة الملك سعود لمدة أسبوع, حتى هب الكثير من طلابه السابقين بالولايات المتحدة, منصتين لخمس محاضرات تقطر علما وحكمة وهيبة, وحضر مسؤولون كثر ينصتون لحديثه, فهم تلاميذ أمامه اليوم, وتلاميذ بالأمس في جامعة إنديانا.

وكان ما شدني فيه بعد علمه وخبرته, هو هُويته الخالدة رغم السنين الحبلى بالغربة والتأثر والتغيير, والتي لم تؤثر في هويته بشيء يدعونا للخوف على قوميتنا وديننا وتجذراتنا, فلقد تحدث بالعربية الصرفة التي لا تخطئ! وبانت لهجته العراقية في لفظه بكلمة (إنديانا),كما وحملت محاضراته الابتداء بالصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, وظلت نونا عينيه سوداوية اللون! فلم تتغيرا هي الأخرى!

من هنا أعدت بعض حساباتي, وأنا الواقف أمام تقلبات الزمن التي عصفت بأناس لم يمكثوا بتلك الدول أكثر من طيف سنة أو اثنتين, فإذا هم اليوم متبرئون من ثيابهم القديمة, ودعاني التأمل في مسيرة العاني وهو يحمل جنسيته الأمريكية إلى التعايش مع الآخر والغوص في أعماقه وحبه, مع التسليم لقَدَرِ الدين والعرق, طالما أن عيني لم تتغيرا إلى لون آخر!

ودعتني المتشابهات إلى التسليم للأحكام والسنن الكونية, بنقل شهادات الفلاسفة من أن المتعمق في الفلسفة يصل في نهاية المطاف إلى توحيد الله, بينما البادئ فيها ينغمس في الإلحاد!

وهذا ما فَطِنَ له العاني في آخر محاضرة له بقوله: إن الطبع يغلب التطبع! ما حملني إلى بحث هذه المقولة في علم الهُوية وأن يكون قائلها هو عينهُ التطبيق!

وعن اللحظة الأخرى التي دعتني للتأمل فهي في المرشح لجائزة الملك فيصل للدراسات الأدبية الدكتور حسين المناصرة, والذي خدم قضايا أمته الأدبية والنقدية, وبخاصة ماعمله في بلده الثاني المملكة العربية السعودية, من خدمة لأدبائها, مستغلا بذلك خبرته النقدية التي تناهز الثلاثين عاماً.

فلقد تناولت دراسات المناصرة الكثير من أدباء المملكة, علىخط نقديم توازن في الغالب, وكان عمله الدؤوب في خدمة الأدب السعودي دليلاً هاماً على ثقة جامعة الملك سعود بتعيينه مشرفاً علىكرسي الأدب السعودي, والذي أضحى - المناصرة - من أهم الواقفين على نتاج هذا الكرسي الهام, تسبقه إلى ذلك خبرته العميقة في معالجة قضايا النقد, وموسوعيته بالدراسات المنشورة عن هذا النوع من الأدب. وما إن دخل المناصرة في سباق الترشح لجائزة الملك فيصل للدورة الحالية حتى هب البعض بجر عربات النقد الخاطئ والشخصنة والتهجم, تولى كبرها محسوبون على الأدب والنقد, عبر تصريحين بإحدى الصحف الأسبوع الفائت! كل هذا وللأسف خلا عن وجود نقد علمي كنا سنفرح به, بل كانت الشخصنة تسبق الكلمة, والأمل يعطي لترشحه يسبق الهدف الأسمى من النقد والتحليل, ومحاولة إثارة الشكوك حول أعماله الرائعة تسبق المصادقة على الأسلوب العلمي في التصريح.

لقد أثبتت الانتهاجات الخاطئة في النقد, دليل وعي المتضررين منها من المبدعين, فبقوا يشقون طريقهم رغم الأسى, مستثمرين وقتهم في الانتاج والصعود عوضاً عن الرد والخصومة, في حين كانت الطريقة الوحيدة لغيرهم في الصعود: هي التسلق على أكتاف أؤلئك المبدعين.

كاتب وأكاديمي سعودي - asalamri@ksu.edu.sa - الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة