خطة الطريق
وجدت الحشود الصحوية ضالتها في الجنادرية، تحت صورة أنها منبر حداثي تغريبي يجب التصدي له وبدأت الحكاية بأشدها عام 1988، حيث تم احتلال القاعة صحويا بينما كانت المنصة حداثية، وصار الصراع على المكشوف في فترة التعليقات حيث يرتفع التكبير تهتز به الصالة في تجاوب من الحشد مع المعلق المفند لما ورد على المنصة وهو أمر كشف قوة الصحويين عددا وجرأة، وتكرر هذا في ثلاث جنادريات متتالية حتى جاءت الجنادرية 6 (1990) وفي ذلك العام جرى فرز واضح للقاعة ما بين التكبير والتصفيق، فالصحوي يكبر مع المتحدثين بوجهة نظره، وآخرون يصفقون للطرف الآخر، وفيها ستسمع من يصرخ بأعلى صوت معترضا على التصفيق ويقول: التصفيق للنساء يا إخوان، وهنا يزيد التصفيق ردا على المعترض، وهو مشهد كشف حينها أن القاعة بدأت تفرز نفسها بين تيارين، مما خفف من سيطرة فريق واحد على القاعة، ونشأ نوع من الاعتراف المبطن بين الأطراف بوجودهم معا في القاعة، وتم نوع من التوافق غير المعن بأن لي أن أصفق ولك أن تكبر، وكأنما تعاهدوا عليه، وتبعا له تبينت إمكانية تقبل الواقع كما هو، والتراضي بأن هذه هي الحال، فزال شيء من الوحشة بين الأطراف، وهذا قرب الناس للواقعية الاجتماعية، وكانت الجنادرية 6 مناسبة عظيمة ليكتشف الناس أن الثقافة جدلية وأن الآخر موجود مهما حاولنا إلغاءه، ورأى كل طرف أن القاعة ليست له وحده، ولكن الذي جرى بعد ذلك أن الجنادرية نفسها تمأسست وترسمت وصارت تحاذر في اختيار الأسماء على المنصة تحسبا لردة فعل الجمهور الصحوي، وهذا أجهز على ما تحقق في جنادرية 6، وبوادر التعدد التي ظهرت حينها تلاشت لأن حشود الصحوة تمكنت من إيصال تأثيرها على لجان الجنادرية حتى تم استبعاد كل عنصر حداثي عن برامج النشاط، وتحولت المنصة إلى حدث أكاديمي من جهة وثقافة رسمية من جهة ثانية، وفقدت دورها التحفيزي والجدلي، وهذه حالة اكتساح لاح للصحوة فنفذته.