المسرح واحد من أهم الفنون الجماهيرية التي تنمي الحس العام والوعي ومستوى الثقافة الاجتماعية ولعل إيماني العميق وتقديري الشخصي لتلك الرسالة التي تؤديها الأعمال المسرحية الناجحة في الكثير من القضايا الحياتية هو المحرض على هذه الرؤية.. كذلك من المهم الإشارة هنا إلى أمر مهم هو أني هنا أتحدث عن دور للمسرح يخرجه من عباءته التي ارتداها فعرف بها وسجن فيها ((حيث ارتسمت صورة للمسرح تحصره في نطاق خشبته)) وتربطه بها ارتباطا يكاد يكون لازماً لا يستطيع انعتاقا منها))، ولذلك فالحديث هنا يتجاوز وجود عروض ضمن أي مهرجان مسرحي إلى أدوار جديدة للمسرح أكثر رحابة وأكثر انفتاحاً، ومهرجانات الأعياد والربيع وما شابهها من المهرجانات ((الصيفية والشتوية)) فرصة مواتية لاستغلال المسرح أفضل استغلال على عدة أوجه، منها ما هو متعلق بالمسرح نفسه ونشر ثقافته في أوساط الناس وبيان دوره الكبير في إيصال الكثير من المضامين والرؤى، ومنها ما هو متعلق باستغلال إمكانات المسرح في مجال الترفيه البريء ونشر البهجة وبث مضامين وطنية وتوعوية وأخلاقية بأسلوب هادف يستغل إمكانات المسرح وتقنياته الفنية كـ((الفلاشات السريعة)) ((والومضات الخاطفة))..
ومنها ماله علاقة بالمهرجانات ذاتها في التحول بها من الرتابة إلى آفاق التجديد على المستوى المحلي تسيدت الرياض المشهد في استغلال المسرح لخدمة السياحة من خلال أمانتها فجاء المسرح حاضراً بقوة كعروض ولكن ليس هذا هو كل ما أتحدث عنه هنا وليس هذا التوجه هو فقط ما ترمي إليه هذه الرؤية، وقد يقول بعضهم بأن ما ضمنا نجاحه في الرياض قد لا نضمن تكرار ذات النجاح في منطقة أو مدينة أخرى لكن أستحضر مثالاً هنا، فعلى مستوى مهرجان الربيع بتهامة الباحة مثلاً كان هناك حضور فقير للمسرح لكنه عندما حضر من خلال ((الغرفة التجارية الصناعية)) في أحد الأعوام الماضية ((باستضافتها فرقة كيف المسرحية بقيادة الفنان والنجم التلفزيوني ((محمد الزهراني)) وقدمت آنذاك عرضها ((خطيرين)) على مسرح ((مدرسة الإمام فيصل بن تركي بالمخواة)) ولأن ذلك العرض حظي بحضور كثيف وحفل بالكثير من الرضا رغم ضعف الدعاية والإعلان آنذاك ولأن تلك الخطوة نجحت فإني أزعم أن تجربة المسرح ستنجح في أي مكان ولاسيما وأنها في ذلك المهرجان كانت إضافة حقيقية للمهرجان في ذلك الحين، وأعود مذكراً هنا بأن هذا ليس كل ما يمكن طرحه كرؤية لتفعيل المسرح في خدمة السياحة لذا فإننا هنا عبر هذا التناول لنود أن يكون للمسرح حضورمستمر ((يضمن له الخروج من صورة العروض العابرة)) التي تأتي ضمن برامج المهرجان -أي مهرجان كان- إلى دور جديد يكون فيه المسرح ((قائداً وقاطرة)) للحراك السياحي انطلاقاً من كون المسرح لديه الكثير من الطرق التي تتيح له التجول والتنقل وارتياد أضيق الأمكنة وإقامة العروض فيها كما أن العروض المسرحية من الممكن أن يكون تمهيداً لأي فعالية وتأتي في لحظة ما من تلك الفعالية كشاهد حي على موقف ما ويمكن أن يكون تالياً لتلك الفعالية معقباً وشارحاً ومفسراً عبر عرض بسيط ومعبر وهذا ما يمكنه من أن يغزو كل الفعاليات بل ويقتحم كل الأماكن العامة والأسواق وأماكن التنزه بل إن عروض الشوارع والأرصفة اليوم هي ((ألوان مسرحية رائجة ومعترف به)) وهذا اللون يمكن استغلاله للترويج للمسرح كفن وإبراز أهميته كمنبر تنويري من جهة وللفعاليات المختلفة من جهة أخرى بل أنه قد يكون عامل جذب لها متى تواجدت الفرق قبل أي فعالية وقدمت استعراضاتها وعروضها بشكل سريع ولافت ومعبر ومبهج وهذا لن يكون بالتأكيد إلا عبر فرق محترفة ومحترمة وهذه الطريقة أحسبها إعلانا عن وجود المسرح كفن راق ومحترم مجهة والتعريف ببرامج المهرجان ككل من جهة أخرى -كما أسلفنا أعلاه- وفي ذات الوقت إتاحة الفرصة لفرجة حقيقية تستهدف الناس ((كل الناس )) لا جمهور المسرح وعشاقه فقط والتوجه نحو عقد شراكة بين الفرق المسرحية العربية والعالمية أو بين جمعيات الثقافة والفنون - بحكم كونها مرجعية مسرحية بعد سقوط وتهاوي جمعية المسرحيين - ولجان المهرجانات المختلفة.
هدف هذه الشراكة إحداث حراك مسرحي فاعل تقدم من خلاله الفرق المختلفة العروض المسرحية وعروض الشوارع وتنسق الجمعية بموجب عقد الشراكة بين لجنة المهرجان من جهة وبين الفرق المسرحية العربية والعالمية من جهة أخرى والتي لديها عروض فرجة حقيقية ولديها إمكانيات فنية تمكنها من أداء عروض هادفة ومسلية وترفيهية في الأماكن العامة والأسواق العامة والأماكن السياحية، فما أجمل أن تذهب إلى السوق لتتبضع وفي ركن من أركانه تجد عرضاً خفيفاً مسلياً تحتله مساحة من التوعية والبهجة الهادفة والمشهد المعبر الهادف، ولكن هذا الأمر يحتاج تلك الفرق المحترفة والمتخصصة التي تستطيع تقديم عروض مسرح الشارع باقتدار وتمكن ما يعزز من أهمية التوجه نحو المسرح وما شاكله من الفنون هو طبيعة العصر الذي تحتل فيه الثقافة البصرية مكانة أكبر من ثقافة الكلمة..والفنون الأدائية فيه تأخذ مكانها الكبير في التأثير على حساب تلك الفنون القولية والخطابية لكون عصرنا الحاضر هو ((عصر هذه الفنون)) فالأوبريت والفيلم والعرض المسرحي هي الأكثر تأثيراً والأعمق أثراً والأكثر إقبالاً.
وأجيال اليوم تقبل على هذه الفنون وتتعشقها وتتمناها ومن المهم أن نستغل هذه التوجهات للخروج بالمهرجانات من رتابتها.