Saturday 21/12/2013 Issue 422 السبت 18 ,صفر 1435 العدد
21/12/2013

عندما يتحرك الجماد

في زيارة للمتحف البغدادي كانت كل الشخصيات المنحوتة والمصنوعة في المتحف هي مكونات جامدة، لكن أنامل الفنان جاسم محمد سكران حركت الجماد بتقنية عالية. فعندما كنا سابقا نزور المتحف نجد شخصيات ثابتة جامدة وكأنها ميتة في التاريخ محنطة بملابسها بجلدها بعيونها بحرفها لكنها توحي بالعرفان وتوحي بالحياة، لكننا اليوم أمام تجربة جديدة تألق بها الفنان جاسم محمد سكران تمكن هذا الرجل المبدع من تحريك الشخوص كل في مجال عمله.

صرنا اليوم أمام متحف متحرك ذكرني ذلك بالصورة الثابتة الفوتوغرافية في التاريخ عندما فكر «جوزيف بلاعو وتوماس أديسون بعده ومن ثم الأخوان لومير»، عندما فكروا جميعم بتحريك الصورة فغزت الصورة المتحركة العالم وتطورت بحيث أصبحت هاجس الناس وسلوكهم اليومي. يأتي الفنان جاسم محمد سكران ليحرك هذه الدمى الثابتة التي تمثل حرفا عراقية ومبدعين عراقيين ليعطيها الحياة في الرؤية وفي الواقع، فمن كان يتصور الصفار وهو يمسك بالأزميل يحفر بها نقوش عراقية.

هذا الكائن صار يحفر النحاس أمامك. رواد مقهى الزهاوي نراهم يدخنون. ومع أن التدخين حالة ضارة ولكن هذا الضرر صرنا نراه ونقف أمامه مبهورين. لقد صعب على العرب وغير العرب تحريك الجامد لكن المبدع جاسم محمد سكران حرك الجماد فأعطى للمتحف سمة جديدة سوف تزيد من شوق المتلقي لكي يتفرج على شيء جديد ولكي يفرح الأطفال وينبهرون.

قريبا بالتأكيد سوف تتحرك كل المكونات الشعبية وسوف تصبح للحرف العراقية الشعبية نكهة جديدة تبهر الصغار وتبهر الكبار وتبهر الآتين لزيارة العراق وعسى أن ينفرج الواقع ويزول الكدر والإرهاب فيأتي الناس من كل مكان ويدخلون المتحف البغدادي فينبهرون بالوطن العراقي وينبهرون بالمتحف البغدادي.

فكرت كثيرا.. كيف تمكن هذا المبدع في المتحف بالطريقة التقنية لتحريك المكونات المصنوعة من مواد جامدة كيف أعطاها الحياة وحرك فيها تفاصيل الجسد فتبدو وكأنها شخصيات حقيقية. لقد أصبح للمتحف معنى ثان معنى مختلف عن بدايات التأسيس. لقد تطورت الفكرة وأخذت أبعاداً مختلفة.. أبعادا دللت على قدرة العراقيين ودللت أنها عندما تجد الرعاية والإستقرار حتى في شكله النسبي فإن حب الوطن يطغي على حب النهب وحب السرقة وحب الخيانة.

المتحف البغدادي هو بمجمله حالة تستحق التوقف عندها. ففي وسط المفخخات والمتفجرات وأنت تدخل المتحف هذا تنسى أن هناك ضجيجاً وزحمة في الشورجة وتنسى الصياح والمحال والبيوت العشوائية. لأنك تجد قطعة من روح العراق هادئة حنونة مثقفة مبدعة والناس العراقيون يتجولون في حناياها الشعبية والتاريخية ويرون عالما لم يعد موجودا ويشكرون المتحف البغدادي أنه وفر لهم مشاهدة الماضي.

الجيل الذي يأتي سوف يرى أهله كيف كانوا يعيشون. سابقا كان يراهم ساكتين.

اليوم يراهم يتحركون وربما يتحدثون غداً مع الزائرين.. من يدري. يتحدثون ويروون لهم الحكايات صورة وصوتاً.

شكرا للمبدع جاسم محمد سكران.. وبه وبمبدعين سيكون العراق بخير.. قولوا معي «يا رب»

- هولندا k.h.sununu@gmail.com