بالرغم من أن (العولمة) ضرورية وحتمية الحدوث، إلا أن بلوغها لا يتم من دون حراك اجتماعي، والتطور البشري العالمي ذاته لا يمكنه الاستمرار من دون تحرك جماعي.
لابد للقوى المتناحرة أن تحسم نتيجة الصراع، سواء ضد التغيير أو لصالحه. تتفوق القوى المناهضة للتغيير في زمن الانحطاط، وتتفوق القوى المساندة له في زمن النهوض. تسمى الأولى (الطغمة المتنفذة) أو (الثورة المضادة) بحسب الزمن الذي تنشط فيه، أما الثانية فتسمى بمجموعها (العملية الثورية) سواء كانت محلية، أي عندما يجري الحديث عن مجتمع واحد، أو أقليمية أو عالمية، عندما يكون المقصود مجتمعات متعددة متشابكة المصالح.
القوى الاجتماعية غالباً ما تمارس عملها جماعياً بشكل جمعيات أو منظمات أو أحزاب أو منظمات مجتمع مدني كالنقابات أو الاتحادات أو النوادي أو المنتديات. .........الخ. أما الشخصيات (الأفراد) فهم ظاهرياً ورسمياً مستقلون، ولكن جهودهم تصب في النهاية لصالح إحدى المجموعات المتصارعة.
سعت الطغم المتنفذة لتجيير مؤسسات الدولة لصالح الاستغلال وتراكم الأرباح وقمعت بوحشية معارضيها، فقد كان ظهور (المكارثية)، التي مارست القتل والسجن والتنكيل بكل من ينادي بالإصلاح خير دليل على الديمقراطية المزيفة.
المكارثية: هي اتجاه سياسي رجعي قاده النائب في الكونغرس الأميركي (جوزيف مكارثي) الذي تزعم، نيابة عن الطغمة الحاكمة، حملة بوليسية شرسة ضد كل المعارضة، بدعم الـ (CIA)، متهماً إياهم تارة بالشيوعية وأخرى بالجاسوسية وثالثة باللواط، ليبقى في النهاية على حزبين لا ثالث لهما (جمهوري وديمقراطي) أثبت التاريخ أن لا فرق بينهما إلا بالاسم.
هذه المكارثية لم تنته بموت جوزيف مكارثي، الذي ظهر عام 1950م، أي بعد انتصار السوفييت على الفاشية، بل استمرت حتى أيامنا وبشكل أوسع حيث تم ابتكار أنواع جديدة من المكارثية، كالاستعمار الجديد والقمع المافيوي تجاه كل شعوب الأرض وبؤر توتر دائم في كل القارات، كي تكون عصا مسلطة وذريعة للتدخل في أي وقت تشعر فيه الرأسمالية أن مصالحها مهددة.
المكارثية كنهج لا يخص جوزيف أو غيره من القتلة المأجورين، إنما هو نهج رأسمالي ما فيوي بامتياز مهما حاولوا طمسه بتسميات أو نسبه لأشخاص، ومهما حاولت الرأسمالية تبرئة نفسها من هذه القذارة تبقى هي الراعية لكل أنواع القذارات في العالم، والتي لابد أن نسلط الضوء على بعضها كي تتضح الصورة:
أولاً -الفاشية: هي هيمنة قومية واحدة باعتبارها (الأنقى عرقياً) على مقدرات جميع الشعوب الأخرى. لقد ظهرت الفاشية كمنهج رأسمالي عشية الحرب العالمية الأولى لتهيئة الرأي العام الأوروبي للهيمنة على الشعوب المتخلفة بأسواقها وخيراتها من جهة، وكذلك لتصدير أزمة الرأسمال الداخلية للخارج.
ثانياً - الصهيونية: هي زراعة كيان غاصب ينتهك الحرمات والأعراف نيابة عن الرأسمالية ليحافظ على هيمنتها في الضفة الشرقية للمتوسط.
تجدر الإشارة هنا الى نقطتين، الأولى: أن الصهيونية تاريخياً ارتبطت باليهودية كديانة، وهي -أي اليهودية- بريئة منها، كما أن الإعلام والوقائع عبر القارات تشير الى وجود أنواع جديدة منها، فهناك صهيونية (مسيحية) وأخرى (إسلامية) وربما تقوم الرأسمالية بتفريخ صهيونية (بوذية) و(صابئية) و(تكفيرية) وما الى ذلك. النقطة الثانية: أن الصهيونية أداة لهيمنة الرأسمال وليس العكس. يقول الأميركيون أنفسهم، إن إسرائيل هي أكبر حاملة طائرات في العالم، ولكنهم يحاولون طمس هذه الحقيقة عندما يقولون كذبا إن (اللوبي) الصهيوني يتحكم بسياسة الولايات المتحدة، فعندما فشلت السياسة الأميركية في تحقيق هيمنة القطب الواحد لجأت لعقد اتفاقيات مع روسيا والصين وإيران، ضاربة عرض الحائط بمصالح إسرائيل وحلفائها الآخرين، ولم تستطع اللوبيات مجتمعة أن تثنيها عن قراراتها.
ثالثاً -العنصرية: وهي نهج يكرس سيادة العنصر الأبيض على كل الأنواع الأخرى، كالأسود والحنطي والأصفر والأحمر. استخدمت العنصرية للهيمنة على إفريقيا بالدرجة الأولى، ولكنها فشلت كباقي الأدوات.
رابعاً – الأبارتهيد أو الأبارتيد: هو فصل مجموعة منتمية الى دين أو عرق أو لون البشرة عن المجموعات الأخرى، وهو نوع مطور للعنصرية.