Culture Magazine Thursday  18/04/2013 G Issue 403
أفق
الخميس 8 ,جمادى الآخر 1434   العدد  403
 
مقاربة
جاسم علي الجاسم في روايته «نافذة وبحر»: للبحر وعناء أهله حضور قوي في هذه التفاصيل
عبدالحفيظ الشمري

 

يسعى الكاتب جاسم علي الجاسم في روايته الأولى «نافذة وبحر» إلى تدوين حكاية البحر، وتسجيل تفاصيلها، والتفنن في شرح يوميات أهل البحر الذين رغم أنهم يعانون في حياتهم تلك العقود السالفة إلا أنهم يمتلكون الحس الإنساني الجميل، بل ويسكب عليها الكاتب من رحيق الأمل ما يوقظ في القارئ حس الحياة الواعي، ليتتبع منعرجات هذه الحكاية الإنسانية النابضة بالبساطة ورسم المكان المناسب لهذه الأحداث الدقيقة بلغة هادئة.

تنهل رواية الجاسم من معين حياة البحر وأهله، إلا أنه يجد في تقديم صورة متكاملة لتلك الحياة التي باتت تتبدل، وتختفي، لتحل مكانها الذكريات أو التسجيلات أو القصص المتناثرة هنا وهناك، عن حياة البحر والبحارة والأهل الطيبين الذين باتوا في أعمالهم المضيئة شعلة من النجاح والتميز والتغلب على الظروف الشاقة والحياة الصعبة.

تسير الرواية في خط واحد يتمثل في عرض تفاصيل الحكاية بل تتجسد على هيئة عرض سينمائي يحرك المشاهد على نحو خطوات البطل أو الشخصية المحورية (عبدالرحمن) حينما يستعيد صورة الفتى المكافح في زمن غارب، لتليه الشخصيات الأخرى على نحو (شملان) و(النوخذة عبدارزاق) وسمران وخليفة وسبيكة وشخوص آخرين يسعون إلى إكمال مشهد حكاية البحر ومعاناة أهله.

المحرك المعنوي المتمثل في الحب القوي بين عبدالرحمن وابنة النوخذة الذي قام بتربيته هو بعث معنوي لحكاية البسطاء والباحثين عن حياة هانئة تعود عليهم بالسكينة، إلا أن الروائي الجاسم لا يريد أن تذهب الأمور إلى نحو عادي ومتفق عليه، لتأخذ الرواية بعدا أليما وعناء يوميا يضاف إلى معاناتهم على شاطئ البحر في هذه الجزيرة التي تضج بالحياة وصراع المشاعر الإنسانية.

المكان في الرواية حاضن متميز تمثل في إشارات صريحة من الكاتب الجاسم حينما أومأ إلى أن هذه الحواضن المكانية تتمثل في جزيرة دارين التي تشهد الكثير من القصص والأحداث، بل إنها ترقد على عالم من الماضي والتراث الإنساني، ليشير إلى أنها تختلط بعظام أهلها ومبانيهم وبقايا حياتهم حيث دونوا بقائهم المعنوي بما يشاهده الزائر لهذه الجزيرة التي وضعها الكاتب بعداً مكانيا تدور عليه أحداث هذه الحكاية المتناسخة من أعماق البحر وقصصه التي لا تنتهي.

فللمكان حضوره القوي حينما يرسمه الكاتب على نحو دقيق في بيئة محددة في بيوت البحارة، وحارات هذه الجزيرة التي ترقد على أطراف البحر الشرقي حتى أن القارئ قد يسمع أنفاس أهلها لشدة ما تتبع الكاتب منعرجات تفاصيل حياتهم، فالمكان له خصوصيته وله عوالمه.

حكاية البحر لا تغادر المكان وتفاصيل يوم البحارة وشقائهم لا يمكن إلا أن يكون بعداً تأثيرياً على القارئ ليسجل ومن خلال هذه الرواية الكثير من المشاهد الإنسانية التي قد تصبح مع الوقت مجرد حلم أو خيال على نحو ما أومأ إليه الكاتب الجاسم في مقدمة هذا العمل.

يتمتع الفضاء الزماني في الرواية بتوسع واضح يتمثل في سرد تفاصيل الحياة اليومية لهؤلاء البحارة البسطاء .. فلا يقف عند الإشارة أو الإيماء إنما يستدعي الزمن كاملا ليشارك في تفاصيل هذه الحكاية الأليمة التي مر بها أهل الجزيرة أو الحي البسيط منها على وجه التحديد.

فالزمان عامر بالتفاصيل التي ينشدها الشخوص منذ الزمن الأول حينما تستعيد تاريخ الجزيرة القديم مرورا بهذه الحكاية التي يعقد الكاتب الجاسم تفاصيلها بغية وصل الماضي بالحاضر على نحو يكفل سلاسة وواقعية المشهد الإنساني غير المتكلف.

ففي الرواية بعد استدراكي على الأحداث والصور دون تدخل واضح منه، إنما يأخذ على عاتقه مهام شرح التفاصيل وتدوينها بكل أمانة ووفق معيار اجتماعي خاص يراعي فيه جوانب حياة الشخوص الذي رسم لهم أدوارهم بعناية فائقة ليأخذوا مهمة الشرح والتفصيل لهذه المشاهد العابرة إلى خبايا المجهول.

وبما أن الرواية اتكأت على الحكاية وتفاصيلها الدقيقة فإنها جاءت بلغة هادئة متوازنة تسرد في بعض صفحاتها ما قد يصعب على القارئ معرفته وأن كان غير عسير على أهل المنطقة فهمه، إلا أنه يريد أن يجعل من هذه الرواية تدوينا حقيقيا للتاريخ الذي سيتناول حكاية البحر وأهله وهذا ما أراده الكاتب جاسم الجاسم في هذه الرواية الجديرة بالمتابعة والحفظ والتدوين.

* * *

إشارة:

نافذة وبحر

جاسم علي الجاسم

دار الكفاح للنشر والتوزيع ـ الدمام ـ 1433هـ ـ 2013م

تقع الرواية في نحو (304صفحات) من القطع المتوسط

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5217 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة