Saturday 16/11/2013 Issue 417 السبت 12 ,محرم 1435 العدد
16/11/2013

تقصير الإعلام حجبه عن أعين الكثيرين من العرب

فنان المنمنمات المعاصر الهاشمي عامر يكمل مسيرة محمد راسم

من المؤسف أن نعرف عن الفن الفرنسي والإيطالي والصيني والهندي إلى آخر منظومة الأسماء والأقطار والأمصار، ونجهل فنون أقرب الأقربين إلينا من الدول العربية، هل هو تقصير منا في عدم البحث والتعرف والتعارف أم أنه قصور في وسائل الإعلام العربية التي خصصت غالبية صفحات فنونها للطرب وخلافه من مسرح وتلفزيون وسينما؛ كسباً للجمهور دون أدنى اهتمام بذائقة المجتمع التشكيلية، وإن وجدت بعضاً من الصفحات فلن تكون يومية بل أسبوعية إن لم تتجاوز الموعد إلى الشهرية. فيموت الإبداع وتضمحل النشوة به حينما يقام معرض يحتاج إلى التواصل معه ونشر الخبر يليه المتابعة والتحليل والنقد.

اليوم وبكل خجل اقدم لك عزيزي القارئ ممن يشاركني الجهل بمثل ضيفنا المبدع عربياً وعالمياً الفنان (هاشمي عامر) ونأسف لهذا الجهل به وبأمثاله، فنان عرف في الجزائر فاصبح رمزاً من رموز وطنه.

سيرة ومسيرة وعطاء

التقيت الفنان هاشمي في الكويت خلال انعقاد مؤتمر الفن المعاصر وانعقاد الاجتماع الأول لتشكيل اتحاد التشكيليين العرب، لم يكن لدي أي معرفة مسبقة بهذا الفنان العملاق مما وضعني في دائرة الخجل والاعتذار واتهام الإعلام بالتقصير في سابق دوره في نشر الثقافة قبل عصر الإنترنت الذي يزيدنا خجلاً ألا نبحث ونطلع على رواد الفنون العربية مع ان لدينا الكثير من معرفة فناني بعض تلك الدول وافتقارنا لمعرفة فناني المغرب العربي، كان لقاءً حافلاً بالمعلومات ما زادني تعطشاً لمعرفة الكثير عنه.

فالهاشمي عامر فنان تشكيلي من مواليد حجوط بولاية تيبازة. التحق بمدرسة الفنون الجميلة بمستغانم بعد تخرجه من مدرسة الفنون الجميلة بالجزائر العاصمة وحصوله على دبلوم الدراسات العليا من المركز الأكاديمي للفنون التطبيقية في بكين في جمهورية الصين.. كرس نفسه للتدريس وفتح ورشة فنية. شارك الهاشمي في العديد من المعارض المحلية والدولية.

هذه المعلومات لا تشكل إلا إشارة مما في سيرته الذاتية من مساهمات على مستوى الجزائر أو العالم.

عرف الهاشمي عامر بانتهاجه فن المنمنات مكملاً ما بدأه الفنان الرائد محمد راسم لكن الهاشمي يجمع في أعماله بين التراث في هذا النمط وبين المعاصرة من حيث اختيار الفكرة وتفاعله مع الأحداث، اشتهر بغزارة إنتاجه على الرغم من صعوبة التعامل مع إبداعه الذي يحتاج إلى الدقة والصبر والتأني والتركيز الدقيق في إبراز التفاصيل.. مشبعا تلك الأعمال بالزخرفة الإسلامية وما تتطلبه من دقة في الأعمال.. هذا في رأيي راجع إلى الدراسة الأكاديمية للهاشمي عامر نفسه فقد والصين معروفة.

تبرز في أعمال الهاشمي إيحاء وحس جرافيكي خصوصا عند النظر إلى تقنياته في تشكيل الزخرفة المنمنمة، وقد اختار الفنان التشكيلي عامر الهاشمي (المنمنمة الحديثة) عنواناً لأحد معارضه الذي قدم فيه خلاصة مرحلة من مراحل إبداعه الذي أقيم في متحف قصر مصطفى باشا كان المعرض بمثابة حجر الزاوية لمراحل لاحقة، مع انه كما أشار بعض الكتاب انه أطلق في ذلك المعرض العنان لإبداعاته للتعبير بكل شجاعة وجرأة عن أحاسيسه تجاه الأشياء التي تحيط بالإنسان فمن جمال وجاذبية الطبيعة وسحر الخط العربي وتألق خرافة ومعمار المدن والبيوت الجزائرية انتقلت ريشة الفنان لإبراز فضاعة الحرب والجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية .

الهاشمي والفن الأصيل

ويؤكد الهاشمي عامر على ان تمسكه بهذا النهج الإبداعي يشكل تحديا لتكريس واستمرارية هذا الفن الأصيل والحفاظ على المدرسة الجزائرية التي خلدها محمد راسم، مشيراً إلى ان ما يمارسه من إضافة في التجديد والمعاصرة التي تتجلى من خلال استعمال التقنيات الجديدة بمقاربة جديدة وإقحام موضوعات تتناول الأحداث الراهنة في زمن العولمة دون إخلال بالروح العامة والأصل في المنمنمات المتمثلة في الزخرفية النباتية والهندسية والأشكال التي تبرز اكثر أناقة في أعماله التي تتضمن بعض الأساليب مثل الكلاسيكية كفن الخط والأرابسك وتطعيمها بالأمثال الشعبية والآيات القرآنية.

يقول النقاد ان الفنان الهاشمي وإن ظل وفياً للمبادئ الأساسية لفن المنمنمات ذلك النوع من الرسم المعروف بأبعاده المصغرة التي غالبا ما تنجز بالرسم المائي والغواش أو الزيتي إلا أن الفنان أدخل تجديداً واضحاً في طريقته لإبداع تلك المنمنمات التي تتميز كلها بالطابع المعاصر. وخلافا للموضوعات المعروفة لدى الفنانين المستشرقين وعشاق الفن العربي الإسلامي فإن الفنان عامر هاشمي يستعمل هذا الفن القديم لإبراز موضوعات الساعة الدولية ولا سيما العالم العربي على غرار الأوضاع السائدة في العراق، فلسطين وسورية.

ماهي المنمنمات.

تحدث كثيرون عن المنمنمات ومنها أنها رسم زخرفة في مخطوط. وقد اشتهرت بها المخطوطات الهندية والفارسية والبيزنطية والعثمانية وغيرها.

ويشتهر بها الفنانون الإسلاميون كما عرفت المنمنمات بخصائص مميزة تشمل الجوانب التقنية والأسلوبية والوظيفية التي يطمح إليها هذا التصوير، وينطلق هذا كلّه من فلسفة تتناول الإنسان والكون والدين في إطار عرفاني، وتربط فلسفة التصوير في الإسلام بين العام المادي وبين العالم الروحي ربطاً محكماً ينزع إلى الكمال ويجعل من أعمال الفن نمطاً فريداً في مزاياه، تقربه من أن يكون نوعاً من ممارسة طقس ديني، وقد ارتبط هذا النوع من التصوير بتطور المخطوطات التي تناولت شتى المعارف العلمية منها والأدبية، وترقى أقدم المخطوطات إلى القرن الثاني عشر الميلادي، وإن كانت أعداد قليلة منها معروفة في مصر وإيران منذ القرن التاسع الميلادي، ولقد عرف الرسم اهتماماً واسعاً في إيران منذ القرن السابع الميلادي، حيث تفاعل الرسم الإيراني مع الرسم الصيني.

وللمنمنمات مدارس عده منها منها المدرسة العباسية (بغداد): يقول بازيل غمري في كتابه (الرسم الإيراني): «يجب أن تبدأ دراسة الرسم الإيراني بالنسخ الخطية للعصر الفارسي، والمدرسة العباسية اسم يطلق على النسخ الخطية المذهبة والمزينة بالرسوم التي اهتم بها الخلفاء العباسيون وجمعوها في عاصمتهم بغداد».