في عصر تتسابق فيه خطى التقدم في سياقات كثيرة، وتنفتح على العموم الاجتماعي، وتتمرّد على غوائل الدوغمائية في المجتمع، تظهر أزمة في الخطاب الأدبي المعاصر، وهي بلا شك ليست أزمة إبداع، بل أزمة نقد سمح لكثير من النصوص التي تفتقر إلى أبسط أدوات الإبداع بالظهور على الساحة الأدبية، بل والاحتفاء بأصحابها تحت شعار القراءات المختلفة للنص.
فإذا كانت المناهج النقدية كالبنيوية والتفككية وغيرها...، من المناهج الحديثة قد غذت النص الأدبي، وأضافت إليه أبعادًا جديدة ، وساهمت في كشف النقاب عن الكثير من المعاني المبهمة ، فإنّ الإغراق في هذه المناهج حمل العبء عن الكاتب أو النص المبدع؛ ليتولّى الناقد هذه المهمة، فكلما كان الناقد ضليعًا جاء النص محكمًا.
إنّ تلك النصوص المهترئة تحرم القارئ غير المتخصص من متعة التعايش في أجواء النص؛ فهي لا تملك أجنحة تحلّق بالمتلقّي إلى ذات المشاعر التصويرية التي يخال للمتلقّي أنه شخصية من شخصيات النص فيها، أو يعيش في المكان عينه، إلاّ إذا سُخر لهذا النص ناقد محنك ينقلها من نصوص جوفاء إلى نصوص ترتدي حُلة قشيبة، وذلك بكثرة التأويل الذي قد يصل في بعض الأحايين إلى تحميل الكلمات والتشبيهات فوق ما تحتمل، فأصبح أيّ نصٍ يمكن أن يُقال في حقه شعر رصين، وأيّ رصف لكلماتٍ وأوصاف خارجة عن أعراف المجتمع رواية ذات شأن، بالرغم من افتقارها إلى أسس البناء الروائي، وحبكة الصراع الدرامي، فتوسم بالجدة والطرافة، وإن كانت تلك الجدة تسف بعقلية القارئ الذي ينتظر من هذه النصوص أن ترتقي بالمستوى الثقافي لفكره، لا أن تنحدر به إلى أسفل السافلين.
لقد اتسع مفهوم الانفتاح في اللغة والأدب، حتى أصبح المقياس للنص الجيد (خالف تُعرف) ، وهو مفتاح بوابة الثراء السريع، وعالم الشهرة والأضواء لكلِّ أديب مغمور، إن صحّت تسميته أديباً. ناهيك عن خطر المجاملات الاجتماعية على الساحة الأدبية، وما يتملّق به بعض النقاد لأدعياء الأدب. تلك المجاملات أثقلت كاهل أدبنا المعاصر بنصوص باهتة بائسة.
نحتاج حقًا صحوة عارمة متيقّظة، نحتاج جهود أرباب الأقلام الناقدة ؛ لينقذوا أدبنا المعاصر؛ حتى لا يفقد هُويته، ويذوي كما يذوي القضيب من الرند.