كلما أصدر محمد القشعمي كتاباً، تأخذني الغبطة والحيرة معاً. أفرح بنتاج يثري المكتبة السعودية، ويحرك جمود الساحة الثقافية، ويقدح أقلام الكتبة، وأحار بجديد القشعمي مهما كان موضوعه، لأن سر ثماره العجيبة يكمن في (خلطته) الغريبة، فسواء كتب في التاريخ أو الجغرافيا أو السياسة أو الأدب..، فإن التراث حاضر لا محالة ليأخذنا إلى العصر الذهبي والبدايات الشاقة، وإلى أبجدية التفكير.
هذا الكاتب المبدع، أنصفه (جسد الثقافة) في صحيفة الحياة بوصفه: (ذاكرة وفاء نادرة، وشاهد على الساحة الثقافية.. مؤلفاته مكثفة بالمعلومات..).
كتب كثيراً، وأفاد كثيراً.. ألف وأفاض.. شهد وصدق، وشارك وعارك، وأبلى في ساحات الفكر والثقافة أحسن بلاء.
كان صيدي من لآلئ القشعمي وفيراً هذا العام، فقد أثرى معرفتي بثلاثة كتب جديدة في موضوعها وطرحها، وهي إضافة أخرى لحقول معرفته، وكشف رائد له.
كتابه الأول: بوادر المجتمع المدني في المملكة العربية السعودية، تناول في طبعته الثانية تعريف المجتمع المدني، وقدم شواهد البدايات الأولى في البلاد منذ بدايات الروابط والنقابات والغرف التجارية ورابطة طلاب جامعة الملك سعود، ثم نبش في تاريخ الانتخابات وأسماء مرشحيها في المجالس واللجان والروابط والنقابات، من الملامح الأولى لانتخابات مجلس الشورى، وأعضاء المجالس البلدية، والنقابات والغرف التجارية، وشيوخ الحرف والطوائف، واللجان الرياضية والطلابية، ويأخذه الحنين إلى ذكريات انتخاب المجلس البلدي الأول بالرياض، وانتخابات الأمس بالمدينة المنورة.
ويعتبر الدكتور مرزوق بن صنيتان بن تنباك أستاذ الأدب العربي بجامعة الملك سعود، هذا الكتاب (الذي يؤرخ لنشأة مؤسسات المجتمع المدني في المملكة عمل غير مسبوق في تتبعه للبدايات الأولى لنشاط المؤسسات الأهلية التي بدأت مع بداية الدولة).
أما كتابه الثاني: الطيران في المملكة العربية السعودية (البدايات)، فهو لا يقل تشويقاً وتميزاً عن سابقه من حيث الموضوع والمضمون الحافل بالطرافة والصور الوثائقية وعبق التاريخ الذي تأسر تفاصيله وجدان القشعمي، وتأخذه الغواية في دهاليزه السحيقة. ويوجز اللواء طيار عبدالله عبدالكريم السعدون، أهمية الكتاب وجمالية البحث بشهادته: (قصص جميلة لرواد أوائل جمعوا بين الشجاعة والإرادة رغم محدودية الإمكانات، ولقد أحسن مؤلفنا الأستاذ محمد في التوثيق لهذه الفترة المبكرة في تاريخ الطيران مستعيناً بما لديه من دقة الباحث، وجلد المؤلف، وأمانة المؤرخ، فجاء هذا الكتاب ليجمع بين الدورس والطرائف وإعطاء كل مجتهد حقه). والكتاب الثالث: عابد خزندار - مفكراً ومبدعاً وكاتباً.. هو سيرة علم من أعلام الثقافة والفكر في المملكة العربية السعودية، وقد أبدع المؤلف في بحثه وتحليله وعرضه، ولا عجب في تألقه لأن القشعمي يعشق السيرة ويحنو على الإعلام وينصف في حق المفكرين.
جاء الكتاب شاملاً وجامعاً، وأضاء كل زاوية أعتمت في سيرة المبدع خزندار منذ عهد الطفولة والصبا وحتى فصول النضج إلى مواسم القطاف، وكانت البداية مع الكتابة من فصول البحث الهامة في الكتاب، إلى جانب المقابلات الصحفية مع الخزندار ومكاشفاته، ووفاته لوالده وأصدقائه، وتكريمه وشهادات المفكرين والمثقفين في نتاجه الثقافي والفكري واجتهاده وبحثه الدؤوب عن الحداثة. ولا عجب أن تحظى مؤلفات القشعمي بقدرٍ عالٍ من المتابعة والاهتمام، وهو الذي أدهش وأمتع وأفاد في كلّ مؤلفاته السابقة، وأبدع في لقاءاته، وحلق في عطائه.
الرياض
