أهداني الدكتور محمد بن عبدالله المفرح كتابه الجميل (في عيادتي.. طرائف وفوائد من أحاديث المرضى)، المنشور حديثاً، الذي يقع في 181 صفحة، والذي استمتعت بقراءته والتجول بين صفحاته، واستغرقت بالضحك من المشاهد التي ينقلها للقارئ مما يحدثه بها مرضاه، سواء من وصفهم لما يعانونه من مشاكل صحية، وبخاصة اختلاف اللهجات بين المناطق، أو مما يصفه كبير أو كبيرة في السن، ونطقه اسمها أو صفتها بأسماء انقرضت، وأصبح لا يعرفها غيرهم، أو بالتحديد من أبناء بلدتهم من كبار السن، فنجده يقول في مقدمته: «.. وفكرة هذا الكتاب في أغلبها مستوحاة من المرضى، إما بلفظها ومعناها، أو بمعناها وفحواها، فهم يتبعون أساليب مختلفة في وصف شكواهم، وغالباً ما تكون بأسلوب عفوي أو ساخر أو بسيط أو حاد أو شاعري أو فلسفي أو مزاجي أو طابعه الظرافة، أو مزيج بين هذا أو ذاك بحسب طبيعة المريض وثقافته وبيئته..».
ونشير إلى نماذج سريعة من إجابات بعض مرضاه، ولنبدأ بالحكم والأمثال: فالنسبة للغذاء والحمية قال أحدهم: «الفطور أفطر ولا يشوفك أحد، والغداء أشرك صديق، والعشاء عطه عدوك».
ولصعوبة معرفة بعض اللهجات وكيف يتعرف الطبيب على شكوى مريضة، وبخاصة كبير السن، ينقل لنا قول إحدى كبيرات السن: «تسبدي تحوم وتقلب وتوجعني تقل تبي تطبخ»، أو قول أخرى: «ولعت تسبدي تصلاني صلي»، وآخر يقول: «يجيني عاصوف بتسبدي ثم تسبدي تحوسني ثم تشلهز التسبد»، يترجم هذه الطلاسم بقوله: «مغص ثم انقباض وانسداد في الشهية». واردف قائلاً: «هكذا فهمت بعد التي والتيا»!!
أما هذا البدوي القادم من الصحراء فيصف حالته: «في بطني شي يتحرك تقل جربوع في كيسه». وآخر يقول إن بطنه له قرقرة وحفحفة أو غوغة أو قرقعة أو صرقعة أو حنين أو ونين أو جفورة أو رجرجة أو ونونة أو خبخبة أو جفجفة أو......
وقد علق الدكتور المفرح على هذا الكلام قائلاً: يا لها من أوصاف لا نهاية لها.. هذا غيض من فيض. ولا شك أن كلٌّ يتأثر بالبيئة التي يعيش فيها وطبيعة عمله وثقافته وظروفه الصحية في طريقة التعبير عن هذا العرض.
وعن الحموضة والحرقان نجد من يصف ما يعانيه قائلاً: «فيه حرارة ببطني تقل مشبوب به سعفه». وآخر يقول: «فيه شيء يحثرب بصدري تقل ليفه حديد». وآخر يقول لديه وثّاب بجوفه تقل شعلة ضو. وآخر يقول صدره «مثل قدر فيه مويه تفوح». وعن معاناة الطبيب عند سؤال مريضه عن مدة معاناته أو بداية مرضه فيجيبه بقوله: «مبطي»، أي منذ زمن، قبل عشر أو عشرين أو ثلاثين سنة، حولها، أو محاريها أو: أووووه.. يا همّلالي. وعن إدمان كبار السن للقهوة والإكثار منها؛ ما يسبب الحموضة وارتجاعها إلى الصدر والتهابات المعدة والاثني عشر والمريء وقرحة المعدة، وتؤدي إلى ضعف الشهية وفقر الدم الناتج من نقص الحديد، أنه عند سؤال إحدى مريضاته عن القهوة قالت: «القهوة هي أمي وأبوي». وأخرى تقول: «الشاهي والقهوة ألطهن»، والثالثة تقول: «أقحن»، والرابعة تقول: «أموت بالقهوة ولكن إذا شربته تنتق مِرّ». أما التدخين ومحاولاته مع مرضاه للإقلاع عن هذه العادة السيئة وما تسببه من أمراض، أهمها سرطان الرئتين والفم والحلق والشُّعب الهوائية وغيرها، فنجده يسأل أحد المرضى: أما زلت تدخن؟ فيجيبه: إلى يوم الدين.
وسأله كم تدخن في اليوم؟ فأجابه: والله إذا كنت طفشان أحرق لي في اليوم بكتين. فيرد عليه: تحرقها أم تحرقك؟
وبحسبة بسيطة قدر الدكتور عدد المدخنين بالمملكة بـ6 ملايين، يصرف كل واحد ما معدله 15 ريالاً في اليوم، وفي الشهر 450 ريالاً، وفي السنة 450x12=5400 ريالx6 ملايين شخص = 32 ملياراً و400 مليون ريال، وهذا المبلغ يضاهي ميزانية عدد من الدول. ويستمر الدكتور في نقل ما يسمعه من مرضاه في فصول أخرى مثل: جرثومة المعدة، العمر، الغذاء والسمنة، ألم، القولون العصبي، مزاج حاد، ظرافة، اللهجات والبيئة، بساطة أو سذاجة، طب شعبي أو طب المجالس، شيء من جد. ويختتم الكتاب بنصيحة بعد ذكر نماذج مختصرة لما سمعه، مثل قول أحدهم يصف الغازات في بطنه بقوله: عندي غازات غير معقولة لو طبيت في بركة ما غرقت. وأخرى عندما رأت المنظار بادرت بقولها: جاك الموت يا تارك الصلاة!
وينصح الجميع بأكل التمر: «والتمر سريع وسهل الهضم والامتصاص؛ لذا فهو يمد الجسم بالطاقة السهلة والسريعة، وإذا ما أضيف له اللبن المتوافر في المواشي المنتشرة في صحرائنا فإن الإنسان يحصل على غذاء متكامل». تحية تقدير وإعجاب للصديق الدكتور محمد المفرح، وشكراً على كتابه الجميل الوافي، الذي سيضيف للمكتبة العربية الكثير من الفوائد والمعاني.
Abo-yarob.kashami@hotmail.com
الرياض