Culture Magazine Saturday  14/09/2013 G Issue 411
عدد خاص
السبت 8 ,ذو القعدة 1434   العدد  411
 
مؤسس الإعلام السعودي الحديث
أحمد محمد محمود

 

بدأ الإعلام في المملكة العربية السعودية مع بدايات الدولة السعودية الثالثة، بعدما أكمل الملك عبد العزيز - رحمه الله - توحيد أرجاء البلاد، وكانت البنية الأساسية التى تركها الأشراف والعثمانيون في الحجاز، ورجالاتها ركيزة تلك الحقبة الإعلامية، والتي كان رأس الحربة فيها جريدة أم القرى، وقد كان الملك عبد العزيز - رحمه الله - قريباً من «تحريرها» لا يبخل عليها برأي ولا دعم، بحسب ما نقل العديدون ممن التقوا به - رحمه الله -، وشاهدوا كيف يأتي محررو -أم القرى - يعرضون افتتاحية الجريدة على الملك قبل طباعة الجريدة. وبالطبع كان الإعلام متواضعاً، في كمِّه وكيفه، وفي تنوّعه، حتى إذا أُنشئت أول وزارة للإعلام في عهد الملك الشهيد الفيصل بن عبد العزيز - رحمه الله -، وأُسندت الوزارة إلى الشيخ جميل الحجيلان - فكان بحق أول وزير للإعلام في المملكة، بدأ الإعلام السعودي في عهده يأخد الشكل المؤسساتي الحديث، من حيث تقوية عضلاته، وتركيز برامجه، وتوسع خبراته، وتنوّع قنواته، وانصرافه لتلمُّس حاجات المتلقين من المواطنين والمقيمين، والحجاج والزائرين.

وكان الكثير من الفضل لنجاح الحقبة الإعلامية في عهد الملك فيصل - رحمه الله - تعود للقيادة الحكيمة، والرؤية النيرة، والنتخطيط الإستراتيجي المتماسك، والمرونة العقلانية، وسعة الأفق، والأبوة الحانية للفريق الإعلامي: مقروءاً ومسموعاً ومرئياً، لقائد الإعلام في هذه الفترة: الشيخ جميل الحجيلان، وقد تسلّم هذه الوزارة في 4-11-1382هـ .

وإذ نسترجع المناخ السياسي المحلي والإقليمي والدولي في تلك الفترة، لا نجد وصفاً صادقاً على التحدي الإعلامي الذي واجهته المملكة داخلياً وخارجياً أصدق من القول «أنه تحد خطير» لم يكن للبلاد عهد به من قبل، لكن هدا التحدي لقي رجلين كانا في مستوى التحدي: الملك فيصل بخبرته السياسية الدولية، وبحنكته الفطرية، وصلابته في الحق، وصرامته في وجه الباطل، وبإرثه الذي ربّاه عليه والده، مذ اختاره نائباً له في الحجاز ووزيراً للخارجية، وبمعرفته النادرة بنسيج مجتمعه الحضري والقبلي على السواء، وبجلده على العمل لرعاية مصالح أمته، وبصبره على الصعاب والزوابع الاجتماعية والسياسية الداخلية والخارجية، التي تصدّي لها بصبر وتسامح نادرين في مثل ما مرت به بلادنا من تحديات في حقبتيْ الستينات والنصف الأول من السبعينات.

إذا ذُكر الإعلام السعودي، فمكان الشيخ جميل الحجيلان فيه أوسع مكان في السماكين، ونجاحاته فيه أنصع نجاحات، وزملاؤه الذين اختارهم معه أفضل زملاء، تكريساً للجهد، وفهماً، وإخلاصاً، فقد كانت بلادنا والمنطقة العربية والإسلامية، والعالم يوم تولى الشيخ جميل الحجيلان لوزارة الإعلام، تقف على بركان من التحولات الجذرية: نذر الصراع الدولي، والحرب الباردة، والتنافس الغربي الرأسمالي والشيوعي الشرقي على أشده، يحركان الانقلابات في العالم لكسب الأنصار ومواقع الأقدام، ونال منطقتنا العربية من هذا الصراع أذى كثير - ما تزال منطقتنا تتجرّع غصصه المرَة -.

وجدت المملكة العربية نفسها، ووجد إعلامها الوليد يومها بقيادة الشيخ جميل الحجيلان نفسه أمام تحدٍ غير مسبوق، نجح المعسكر الشيوعي - تحت ستار الحركات اليسارية العربية التي تدور في فلك الاتحاد السوفيتي - في بناء طوق واسع من دول الجوار، ممن يدور في فلك موسكو ضد أمريكا، ووجدت المملكة نفسها ونظامها الملكي القائم على الدين الإسلامي - المعادي للشيوعية، في موقع تقاطع النيران المتعادية -، تُحشد عليها أبواق إعلامية، تحاول دك حصونها، وتهاجم بشراسة وعنف نظامها السياسي، ومرتكزاتها الدينية، بهدف تغيير نظامها، وما كان هناك من تكافؤ بين إمكانات دول الطوق العربية اليسارية حول المملكة، وبين إعلام المملكة الوليد.

فكان أن تصدى الإعلام السعودي تحت قيادة رجل الإعلام - جميل الحجيلان - بشجاعة لا يشوبها خوف، وفهم تكاملت له الحصافة، وتصميم له صلابة الفولاذ، تصدى لأبواب النيران التي حُشدت لنهش النظام السعودي وتوجّهاته المستقلة عن المعسكرات والتكتلات.

ولعل جيلي من الإعلاميين عايش بعض تلك التحديات التي شهدها الإعلام بقيادة الشيخ جميل الحجيلان، عندما قرر نظام الرئيس جمال عبد الناصر سحب كافة العاملين من أشقائنا المصريين، والذين كانت المملكة تعتمد عليهم في مجالات عديدة، ومنها الإعلام: من صحافة وإذاعة، فعالج الشيخ جميل الحجيلان ذلك المأزق الذي واجهته الإذاعة والصحافة بحزم وعزم، من ورائه عزم الملك الفيصل الشهيد رجل العزائم، فوضع من يومها نواة الكفاءات الوطنية التي تحملت مسؤلية الإعلام وما تزال تتحمله باقتدار، ولم يسقط الإعلام السعودي كما كان يُظن ويُراد له أن يسقط عند الضربة الأولى، بل زا ده ذلك قوة - ورب ضارة نافعة، فكان الشيخ جميل الحجيلان « قليل اختلاج الرأي في الجد والهوى».

الشيخ جميل الحجيلان: رجل وضعته الأقدار في موقع الأولويات: فهو كما ذكرنا أول وزير للإعلام السعودي - من 1382- 1390 هـ - 1963- 1970م، وهو أول من وضع نظام المؤسسات الصحفية والذي ما زال قائماً، والذي كان من نتائجه وضع حد لبعض مظاهر الأنانية - وتضخيم الذات وخدمتها - على حساب خدمة الصالح العام، وهو أول من وضع أساس البث التلفزيوني السعودي، وهو أول من فتح المجال أمام المرأة السعودية للمشاركة في الإعلام - خاصة في المجال الإذاعي - الذي كان مسؤلاً عنه مسؤلية مباشرة، وهو أول من جمع في حكومتنا بين وزارتين في آن واحد، وهو أول من نقل الصوت السعودي الإعلامي ليصل إلى أصقاع العالم، وهو أول من جمع بين الدبلوماسية المقتدرة الناجحة، سفيراً ثم سفيراً ثم سفيراً. وبين العمل التنفيذي الوزاري وزيراً ثم وزيراً، ثم أول سعودي يشغل منصب أمين عام لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لأكثر من دورة.

وحيثما وَضَع قادتنا ثقتهم في الشيخ جميل الحجيلان، وجدوه أهلاً لتلك الثقة، كفاءةً، واقتداراً، ونجومية ساطعة، يحرك ما يجد من راكد، ويجدد ما يجد من مندرس، ويبني ما يجد من متهدم: فكان مبنى وزارة الإعلام بجدة - الذي بُني في عهده - قبل انتقال الوزارة إلى الرياض معلماً عمرانياً، وفنياً من معالم وزارات الإعلام في عالمنا العربي والإسلامي، وكان مستوى وتأثير ذلك الإعلام محلياً وإقليمياً ودولياً يطاول ذلك الصرح الفريد في وقته، وحيث ما تولى سفيراً في أوربا أنشأ مقرات لسفارات المملكة تعكس مكانة المملكة في نفسه، وتجد أكبر تقدير لدى قيادة البلاد، وعند كل من يزور تلك المقرات من المواطنين.

أحببتُ شخصياً الشيخ جميل الحجيلان - وأنا موظف في أول السُلَم بوزارة الإعلام، وعندي لذلك سبب وجيه، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله، فقد غمرني معاليه - أطال الله عمره - بجميل، إن نسيه المقربون منه فلن أنساه:

لأي جميل من جميلك أشكرُ

وأي أياديك الجليلة أذكرُ

وقد زاد من حبي له: حُبَ رجاله الذين اختارهم للعمل معه في الوزارة حُبُهم له، فكان يوليهم أقصى ثقته، واضعاً بذلك أساساً لقاعدة النجاح التي حصدت تلك الحقبة الخطيرة في حياة بلادنا ثمرتها: صموداً فريداً في وجه التيارات اليسارية التي أحاطت ببلادنا إحاطة السوار بالمعصم، حتى حسب الناس أن ليس من صديق لبلادنا، ولكن القيادة السياسية الحكيمة للفيصل الشهيد - رحمه الله -، وأفقه الإعلامي الواسع، والثقة المطلقة التي وضعها في الشيخ جميل الحجيلان، والإخلاص والاقتدار الذي أظهره الشيخ جميل الحجيلان وزملاؤه، أكسب المملكة العربية السعودية وقيادتها ونظامها ونهجها صداقات أوسع، ووجد لإعلامها - إذاعة وصحافة - آذاناً صاغية، من حيث لا تحتسب.

في الجانب الشخصي، إذا عُدَت شمائله وأخلاقه، فهي شمائل فواحة بأريج المحامد، تنم عن أصل عريق، يستقي من ينابيع الإيمان، وما يتركه في النفس من ثقة، وعزة:

كريم له بيت كريم تقاسمت

أواخره إرثَ العُلَى وأوائلُه

تعرفت على معالي الشيخ جميل الحجيلان، عندما ابتعثني ضمن مجموعة من شباب وزارة الإعلام لدراسة اللغة الإنجليزية في بريطانيا، فرأيت عن قرب كيف يفيض البشر من تلك النفس الصافية المحبة للخير لشباب بلادها، الفرحة بكل فرصة تزيد من رصيد معرفتها، ورأيت فيه عن قرب بلاغة حديثه، ونسيج منطقه الواضح في عرض فكره وفلسفته في العمل «إذا قال بذَ القائلين مقالة» ورأيته « متحملاً ثقل الأمور هوى له» ورأيته رقيق الحاشية، متواضعا «زاده الله على تواضعه رفعةً»:

طاهر اللفظ والشمائل والأخلاق

عَفَ الضمير واللحظات

فيا صاحب المعالي، لك في قلوب محبيك محبة صادقة، ولك في قلوب زملائك ذكرى عطرة، وإذ أحييك في هذا الملف على البعد - فإنّ مكانتك في نفسي تزداد قُرباً - أقول لك ما قال صاحب المعرة - رحمه الله -:

ولا تزال لك الأزمان ممتعة

بالآل والحال والعلياء والعُمر

رئيس تحرير جريدة المدينة سابقاً

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة