Culture Magazine Thursday  14/03/2013 G Issue 400
ترجمات
الخميس 2 ,جمادى الاولى 1434   العدد  400
 
كابتن هولي غراف أحيلت للتحقيق ثم التقاعد لقسوتها مع طاقم سفينتها
عندما تقود المرأة: كابتن هولي غراف أنموذجا (1-2)
د. حمد العيسى

 

هذه مقالة هامة وكاشفة عن عنف كابتن بحري هولي غراف في مجال الإدارة بقلم مارك تومسون، واشنطن، ونشرت في مجلة تايم في 11 آذار/مارس 2010. وأهديها إلى شبيهات هولي غراف في السعودية ، وهن كثر للأسف!!

عندما تقود المرأة

كان ينبغي أن يكون واضحاً للبحرية الأمريكية أن السيدة هولي غراف لا تصلح للقيادة عندما أبحرت مدمرتها من ميناء صقلية في عام 2003 عشية الحرب على العراق. فمن دون سابق إنذار، اهتزت حمولة المدمرة «يو إس إس ونستون تشرشل» كلها والبالغ وزنها 9,000 طن ، وهي تفارق حائل الأمواج في المرفأ. لقد توقفت براغي وتروس ماكينة الباخرة عن الدوران، والسفينة التي يبلغ طولها 511 قدماً أصبحت سائبة وفالتة وهائمة على غير هدى. «ماذا حدث بحق الجحيم؟» صاحت القائدة كابتن غراف منادية على برج المرفأ. ثم أمسكت بربان باخرتها المرعوب وسحبته إلى كابينة القيادة وصرخت به: «هل جنحت بسفينتي العاهرة إلى الشاطئ؟». لقد صرخت بصوت متوحش ومرعب. لم تكن هذه كارثة بحرية ممكنة فحسب، لكنها كارثة دبلوماسية أيضاً؛ فالربان كان أيضاً ضابطًا في البحرية الملكية البريطانية، وهذه ميزة خاصة للمدمرة تشرشل وحسب.

ولكن وسط كل هذه الفوضى والصراخ، فإن الصوت المدهش التالي كان مذهلاً بصورة أكثر ولا تخطر على بال. لقد بدأ البحارة يرقصون ويغنون بابتهاج في مؤخرة المدمرة تشرشل، عندما أحسوا أن المدمرة جنحت عن مسارها، ما يعني أن وظيفة غراف ككابتن بحرية ستنتهي على الفور. لقد كانوا يغنون بفرح غامر: «دينغ دونغ، الساحرة الشريرة ماتت»! كاهن الباخرة موريس كابرو الذي عين على الباخرة حديثاً لم يصدق ما رأته عيناه وسمعته أذناه، حيث قال: «جاءني شخص وقال بفرح: لقد جنحت المدمرة عن مسارها وصدمت رصيف الميناء، الساحرة الشريرة انتهت، لقد تخلصنا منها إلى الأبد!». وأضاف كابرو: لقد دهشت بل صعقت وشعرت بهزة عنيفة. وكما اتضح في ما بعد، فقد انكسرت واحدة من مراوح ماكينة السفينة ما أدى إلى جنوحها نحو رصيف الميناء. ولكن حتى الآن أي بعد مضي سبع سنوات، لا يزال الكاهن كابرو غير قادر على فهم أيهما كان أسوأ: شماتة البحارة والضباط الرجال من قائدة المدمرة كابتن هولي غراف، أو أن تلك الكابتن كانت تستحق ذلك المصير؟!

وظيفة كابتن غراف التالية، كانت قيادة طراد الصورايخ «يو إس إس كوبنز» (U.S.S. Cowpens)، وستكون آخر وظائفها. غراف أعفيت من الخدمة في كانون الثاني/يناير 2010، بعد ما يقرب من عامين على الطراد «يو إس إس كوبنز»، بسبب «القسوة في الإدارة وسوء معاملة طاقمها» وفقاً لتقرير حاد للمفتش العام في البحرية والذي حصلت عليه مجلة تايم. التقرير سبب هزة عميقة في سلاح البحرية لأنه تشكك في الطريقة التي تمارسها البحرية لاختيار وترقية ومراقبة كباتن سفنها المختارين. ملحمة الكابتن هولي غراف كشفت أن البحرية تجاهلت طويلاً علامات التحذير حول كون هولي عنيفة جدا وغير صالحة لمنصب القيادة. وعلى الرغم من كون خبر سقوطها المذهل أثار على الفور تساؤلات حول التحيز الجندري المؤسسي، إلا أن الدرس قد يكون أدى إلى عكس ذلك، حيث لفتت قضيتها الانتباه إلى أن سلاح البحرية «ربما» تسرع كثيراً عندما أتاح للمرأة فرصة القيادة في أسطوله الحربي.

هولي غراف حلمت بقيادة سفينة تابعة للبحرية منذ أيام المدرسة الثانوية في مدينة سيمسبري بولاية كونيتيكت الأمريكية. والدها كان كابتن في سلاح البحرية، وشقيقتها روبين أرادت العمل في البحرية أيضا (تزوجت روبين من أدميرال في البحرية، ولكن هولي بقيت عزباء). بعد تخرجها من الأكاديمية البحرية الأميركية في عام 1985، أحس زملاؤها في الدفعة، أن البحرية وضعت هولي غراف على مسار ترقية سريعة (Fast Track) لتصبح قبطاناً قبلهم.

تنوعت مهام غراف الوظيفية على مدمرة وفرقاطة ومهام مكتبية في البنتاغون وكمدربة في «مركز تدريب ضباط الاحتياط والبحرية» في جامعة فيلانوفا، خارج فيلادلفيا. وحصلت على نجمة برونزية خلال الحرب على العراق (مع وسام الاستحقاق، وثلاث ميداليات تميز في الخدمة). ولكي تضيف بعض الثقل الأكاديمي لسيرتها الذاتية، حصلت غراف على ثلاث درجات ماجستير: في «الأمن الوطني» من كلية الحرب البحرية؛ وفي «الهندسة المدنية» من جامعة فيلانوفا؛ وفي «تحليل النظم» من كلية الدراسات العليا للبحرية. وفي وقت مبكر من حياتها المهنية، ظهرت علامات تدل على سمات قيادية سيئة. وكتب أحد معارفها على مدونة البحرية الأسبوع الماضي «لقد عرفت هولي منذ وقت طويل»، وأضاف «ذكرياتي عنها ليست سيئة جداً كما أصبحت توصف مؤخراً في بعض المواقع».

بدأ الجانب المظلم من شخصية غراف بالبروز عندما تم تعينها على المدمرة «كورتيس ويلبور» (Curtis Wilbur) في عام 199 7، بوصفها الضابط التنفيذي، أي الثانية في القيادة. كيرك بنسون، الذي تقاعد من البحرية على رتبة قائد بعد خدمة 20 عاماً، يقول إن خدمته على متن «كورتيس ويلبور» مع غراف كانت «أسوأ وقت في حياتي». توجيهها اللوم العنيف والمستمر لطاقم المدمرة جعله يقدم شكوى، ولكنهم لم يفعلوا شيئاً. يقول بنسون «عندما أفكر في هولي غراف الآن، حتى بعد 12 سنة، أشعر بقشعريرة بسبب صفاقتها ووقاحتها الفجة». ويضيف: «كان من الصعب أن نتصورها كقائدة، ناهيك عن حصولها على فرصة ذهبية لقيادة اثنتين من السفن الحربية المهمة والخطيرة».

إذا كان لدى البحرية علامات تحذيرية حول سوء قيادة غراف بعد خدمتها على المدمرة كورتيس ويلبور ، فإنه لا يبدو أن تلك العلامات سببت أي اهتمام أو انتباه لهم. وبالعكس وبدلاً من ذلك، في عام 2003، دخلت غراف تاريخ البحرية الأمريكية عندما أصبحت أول امرأة تقود مدمرة («يو إس إس ونستون تشرشل»). كابرو، الكاهن الديني على المدمرة، يشير إلى أن خدمته على متن «يو إس إس ونستون تشرشل» في عام 2003، كانت أغرب تجربة خلال وظيفته كمرشد روحي في البحرية، قام فيها بأكثر من 200 زيارة وجولة على مختلف السفن في وظيفته التي استمرت 20 عاما. كانت المعنويات على السفينة هابطة إلى أدنى درجة قابلها في أي وقت مضى على أي سفينة للبحرية. يقول كابرو إنه حاول التحدث مع غراف عن أسلوب قيادتها بعد مكوثه 10 أيام على متن المدمرة: «قلت لها : لقد أحسست من بعض المشاعر على المدمرة بأنك سيدة لطيفة، ولديك مهمة صعبة، وبعض الضباط الصغار قلقون ومنزعجون». ويضيف كابرو: «لقد تحدثت معها بلطف وبكلام معسول، ولكنها كادت تجن وقالت بغضب إنها لا تريد التحدث عن ذلك مطلقًا في ما بقي من خدمتي على المدمرة».

وعندما غادر كابرو المدمرة، قدم تقريراً لرئيسها عن ما شاهده وسمعه. ولكن شكواه، مثل تلك التي أدلى بها بنسون وغيرهما، لم تسفر عن نتيجة لحدوث تغيير إيجابي واضح في سلوك غراف ولم يبطئ من سرعة ترقيتها. انتهت قيادة غراف للمدمرة «يو إس إس ونستون تشرشل» في أوائل عام 2004، عندما تم استبدالها، بعد 22 شهراً، بالقائد تود ليفيت. كان هناك مديح ووداع روتيني، كما يشير بول كوكو (وهو خريج من الأكاديمية البحرية في عام 2002) إلا في نقطة واحدة: «بمجرد أن قال القائد ليفيت للقائدة غراف: سوف أحل مكانك وأعفيك من قيادة «تشرشل»، هتف بعفوية جميع البحارة والضباط في المدمرة معبرين عن ابتهاجهم وفرحتهم وسعادتهم بصورة لم تحدث من قبل في تاريخ البحرية».

في يوم 1 حزيران/ يونيو 2007، وبعد 22 عاماً من تخرجها من أنابوليس، تمت ترقية غراف إلى رتبة كابتن. وكان توليها قيادة «يو إس إس كوبنز» في آذار/مارس 2008، ثاني أهم يوم بالنسبة إليها خاصة وللنساء عامة في البحرية. الطراد التي يبلغ طوله 567 قدماً، وحمولته 10,000 طن يعتبر من أكبر سفن البحرية المقاتلة. وغراف كانت أول امرأة – وحتى الآن الوحيدة - التي تقود هذه الفئة من السفن وطاقمها المكون من 400 شخص. قيادة طراد ضخم كهذا يحتاج ويتطلب إمكانيات أكثر من المهارات اللازمة لقيادة مدمرة أو فرقاطة. لكن قيادة الطاقم البشري للسفينة ثبت أنه كان يمثل تحدياً أكبر بكثير بالنسبة إليها.

وكشف تحقيق للبحرية استمر ستة أشهر، أن غراف اعتدت على أفراد طاقمها وصغار الضباط بالكلام الفاحش المهين، وكذلك أمرتهم بعمل واجباتها الشخصية مثل غسيل وكي ملابسها وغيره. كانت تطلب منهم اتخاذ موقف الانتباه وبخاصة أثناء المناقشات الساخنة. وأرغمت ضابطاً صغيراً ذات مرة ليعزف على البيانو في حفلة عيد ميلادها، وأمرته مرة أخرى بتمشية كلابها في نزهة على سطح السفينة. ثم كشف التحقيق عن أشياء مهمة فشلت في القيام بها، مثل تدريب طاقمها بصورة ملائمة وعلى نحو كاف. في بعض الأحيان، يبدو أنها كانت تفضل إذلال طاقمها عندما تلعب دور المُدرسة. اكتشف التحقيق أنها عاقبت ربان يحظى باحترام كبير بوضعه في «استراحة» (Timeout) - واقفاً في ركن غرفة التحكم بالسفينة الرئيسة ولا يفعل شيئاً - ليشاهده البحارة من جميع الرتب، ما أثار غضب أفراد البحرية على السفينة.

ولكن ربما كان الأمر الذي سبب أكبر ضرر لها هو الإساءة اللفظية واستخدام الكلمات الفاحشة والبذيئة؛ فمن المفترض أن تكون لغة القائد البحري واضحة ومحددة. الأوامر التي تتعلق بالسرعة والاتجاه ومجموعة من القرارات الأخرى اللازمة لتوجيه سفينة حربية يجب أن تتكرر من القائل والمستمع ومن على برج المراقبة للحد من فرصة وقوع خطأ، كما يجب أن تكون الألفاظ النابية نادرة للغاية. ولكن وفقاً لشهادة 29 من 36 عضواً من طاقم الباخرة الذين استجوبهم المحققون - والذين حذفت أسماؤهم من التقرير وبالتالي لا يمكن للتايم الاتصال بهم - فإن غراف كانت تقذف البحارة كثيرا بأوامر مليئة بكلمات فاحشة (إفF وش Sh). وذكر ضابط شاب أنها قالت له: «خذ موقفك المؤدب وضعه في مؤخرتك» بعدما احتج على استعمالها كلمات نابية فاحشة لتوجيه حركة صعبة للباخرة في عرض البحر.

وكانت غراف متغطرسة بصورة خاصة حتى اتجاه الإناث؛ فقد أشارت ضابطة شابة عملت معها وطلبت مساعدتها أن غراف ردت عليها: «لا تأتي لي بمشاكلك، أنت مديرة إدارة أيتها العاهرة». وأضافت أن غراف قالت لها: «لا استطيع التعبير عن غضبي من دون أن أصبح عنيفة وعصبية ومن دون ألفاظ فاحشة». وقالت ضابطة ثانية للمحققين بأن غراف كانت «نموذجاً مرعباً وسيئاً للمرأة في البحرية» وتذكرت أن غراف قالت لها مع ضابطة في برج المراقبة: «أنتما عاهرتان غبيتان بدرجة لا تصدق، وسأفصلكما لو قدرت، لكنني لا استطيع».

Hamad.aleisa@gmail.com المغرب

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة