Culture Magazine Thursday  14/03/2013 G Issue 400
فضاءات
الخميس 2 ,جمادى الاولى 1434   العدد  400
 
كتب.. تحت الاحتلال
عبدالله العودة

 

قدمت منظمة مهتمة بالشأن الفلسطيني فيلماً وثائقياً تم إنتاجه قبل عام ونصف العام حول الكتب والمكتبات الفلسطينية التي سرقت منذ عام 1948م، وكان عنوانه «Great Book Robbery»، الذي يمكن ترجمته بـ «السطو الكبير على الكتب»، قدمه المخرج وكان حاضراً لعرض هذا الفيلم الذي تنقل فيه وعرضه في جامعات مختلفة حول أمريكا وخارجها. تحدث هذا الفيلم الوثائقي عن قصة الثقافة الدقيقة التي أخبرنا المخرج بعدها بأنها أول تغطية إعلامية حقيقية لهذا الاحتلال العلمي والثقافي الشنيع، الذي خُرِقت فيه كل أعراف الأمم الدينية والإنسانية في التعامل مع إرث ثقافي عريق وعلم له تاريخ حضاري طويل.

كان هناك شهود كثر في الفيلم تحدثوا عن مكتباتهم الخاصة التي سرقت وأُخِذت منهم منذ عام 1948م ثم ضُمّت لما تسمى بـ «المكتبة الوطنية بإسرائيل/Israel National Library».

كتب في شتى شؤون المعرفة، من الأدب وفقه المواريث والفقه عموماً إلى التاريخ والسير وغيرها، تصل إلى عشرات الآلاف في موضوعات مختلفة، كلها تدعي مكتبة الاحتلال هذه ملكيتها، وتُقَدمها للقراء وللعالم على أساس أنها إرث خاص للاحتلال ومِلك قانوني.

وحينما ذهب روائي عربي، ممن يسمون بعرب إسرائيل، إلى هذه المكتبة أخذ معه مجموعة من الكتب للاستعارة من تلك التي أشار بعض الشهود العرب إلى أنها مِلك سابق لهم..

وجدوا عليها الآثار القديمة والكتابات والتواقيع العربية المعهودة لملاك عرب وأصحاب مكتبات مشهورة في فلسطين كالمكتبة الشهيرة للأديب المسيحي الفلسطيني خليل السكاكيني، ومكتبته الخاصة هذه جرى احتلالها والسيطرة عليها من قبل الصهاينة، ثم جرى ضمها بالتالي لهذه «المكتبة الوطنية» للاحتلال، وبعض هؤلاء الذين دخلوا هذه المكتبة وفتشوا عن كثير من الكتب العربية التي كانت معروفة في مكتبة خليل السكاكيني السابقة، ووجدوا عليها اسم السكاكيني وختم مكتبته الخاصة المعروفة بين الفلسطينيين.. ووجدوا عليها تاريخ أخذ هذه الكتب، وذلك اليوم المشؤوم الذي سيطرت فيه مكتبة الاحتلال على مكتبات خاصة وعامة في فلسطين والقدس، لها ملكيتها الخاصة.

هذه الجريمة المعهودة في سرقة الكتب بهذا الشكل الفج ليست جديدة ولا غريبة؛ فالاحتلال يقوم أساساً على سرقة الأرض والثقافة والكتب والعلم والأسماء بل حتى بعض المفردات اللغوية وحتى الأكلات وأنواع الطعام والكوفية! ولذلك فغالب من تمت سرقة مكتباتهم الخاصة من بيوتهم تمت عبر اضطهادهم والتضييق عليهم وملاحقتهم واعتقالهم وتشريدهم وتهجيرهم ونقلهم؛ وبالتالي سرقة هوياتهم الشخصية والثقافية وكتبهم وتراثهم وأرضهم وشجرهم ومائهم..

فحتى تلك الشجرة الكبيرة الممتدة جذورها في الأرض، والتي كانت مسرح لعب تقليدي لتلك الروائية الفلسطينية، اكتشفت هذه الروائية أن الشجرة نفسها تمت مصادرتها وسرقتها لصالح عائلة «إسرائيلية»، وأن مكتبة العائلة الخاصة بها وبعائلتها أصبحت جزءاً من هذه «المكتبة الوطنية» الصهيونية في القدس المحتلة التابعة للجامعة العبرية.

وفي الموقع الرسمي على الشبكة تقول الجامعة إن مكتبتها هذه أكبر مكتبة وأضخم مقتنيات علمية «تمتلكها إسرائيل» حسب تعبيرها! وفي الحوار الذي أجراه مخرج هذا الفيلم الوثائقي تحدث عن تعنت إدارة هذه المكتبة في التعامل مع منتجي الفيلم ومخرجه ورفضهم تقديم أية معلومات تقود إلى مصدر هذه الكتب العربية الضخمة، أو إلى أصولها وملاكها الأصليين وطريقة الحصول عليها وكيفية التعامل معها..

فالاتصالات التي يجريها المخرج مع هذه المكتبة والرسائل الإلكترونية والتواصل الرسمي وغير الرسمي لم تصل لشيء؛ فالموضوع نفسه يمثل إحراجاً ليس فقط للمكتبة ولا لإدارتها ولكن للطريقة التي تم التعامل بها بشكل عام مع ثقافة وتاريخ وشعب وأرض ودين وتراث وحضارة وأمة اسمها فلسطين.

وحينما سأله الحضور لماذا لا تحل المكتبة وإدارتها والدولة من ورائها موضوع هذه الكتب المحتلة والتراث العلمي المسروق من الفلسطينيين؟ ضحك المخرج وقال إن موضوع إرجاع هذه الكتب لأصحابها بذاته قد لا يبدو مشروعاً مستحيلاً أو خارقاً..

ولكن العملية ستفتح الباب على مصراعيه لموضوعات حقيقية وحاسمة في الشأن الفلسطيني؛ فسوف تفتح أسئلة مصيرية ليس عن إرجاع كتب مسروقة لأصحابها فحسب.. بل عن إرجاع ثقافة وأرض وتاريخ وحضارة وسياسة وبيت وشجر وحجر وماء وتراث.. إلخ.

وهذا كله يعني أن الموضوع ليس سرقةً صفيقةً لكتبٍ وتراثٍ علمي وحسب بل حول الأساس الذي أتاح هذا الاحتلال وجرائمه بشتى أشكالها.

وأخيراً..

هذا الفيلم الوثائقي يستحق الوقت والجهد..

فالقارئ العربي يجب أن يطلع على جانب من الاحتلال لم تتم معرفته وتغطيته من قبل: احتلال الكتب.

abdalodah@gmail.com الولايات المتحدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة