Culture Magazine Thursday  14/03/2013 G Issue 400
فضاءات
الخميس 2 ,جمادى الاولى 1434   العدد  400
 
بين «علي بابا» و«أوديب»!
بثينة الإبراهيم

 

«لقد وُلد القرّاءُ أحراراً ولا بدّ لهم أن يبقوا كذلك»...... نابوكوف

* كانتِ الجملة السحرية «افتح يا سمسم»، مفتاحَ السعادة لـ»علي بابا»، الذي فاز بالكنزِ، وبخاصةٍ أنّه تمكّن من الاحتفاظ بكلمةِ السرّ للدخول والخروج آمناً بعكس جاره - أو في روايةٍ أخرى أخيه - القاسم، الذي دخل المغارة وبسبب نسيانه لكلمة الخروج، كانت النتيجة موته وتقطيع يديه ورمي جثته أمام صخرة الدخول!

* كما امتلك أوديب أيضاً كلمة السر التي أعجزتِ الكثيرين أمام «أبي الهول» وكانت نهايتهم التهام الوحش لهم، لكنّه نجا _مؤقتاً - وتمكّن من دخول طيبة التي صار ملكاً لها فيما بعد. وبالرغم من المتاهات العسيرة التي كان على الاثنين خوضها، إلا أن حظّ علي بابا بدا أوفر من نظيريه أوديب والقاسم، حين تمكّن من القضاء على اللصوص والظّفر بالكنز بمساعدة مرجانة، أما أوديب فقد صارع وحيداً وكانت نهايته الموت متشرداً وكذا كانت نهاية القاسم.

* يمكن لنا أن نقسمَ بالتالي القرّاء إلى صنفين: الأول من صنف «علي بابا»، القارئ الحذِق الذي امتلك العبارة السحريّة للدخول نحو عالم المعرفة، واستطاع الخروج من تلك المتاهات سالماً ظافراً، أو على الأقل البقاء فيها على قيد الحياة ! فهو كما «علي بابا» يراقب و»يقرأ» الواقع والأحداث، ويستعين بوسائل المساعدة المتاحة، فلا يركن عقله على الرفّ أو يحتفظ به «إكسسواراً» يعود إليه _أو قد لا يعود - إن سنحت له فرصة !

* وأمّا الصنفُ الثاني فهو مثل «أوديب»، برغم امتلاكه لمفتاح المعرفة إلا أنه فيما يبدو لم يتمكّن من الاحتفاظ به، وبرغم أنه قد يحقّق نجاحاً لكنه يتخبّط كثيراً وقد يصل به الأمر إلى فقء عينيه فيغدو بحاجةٍ لمن يقوده، وبرغم ذلك فقد يموت شريداً!

* ربمّا يبتدئ القرّاء مسيرتهم القرائية بكثيرٍ من النهم وحب الاستطلاع، فتغدو كلّ صفحةٍ مكتوبةٍ مادّةً للالتهام بشراهة حتى وإن كانت لافتةً أو لائحة الطعام في مطعمٍ ما، مثلهم في ذلك مثل الطّفل في أول أيامه المدرسية، يتباهى بكتبه وبقدرته على تهجئة الكلمة والكلمتين، وشيئاً فشيئاً يفقد الطفل هذه المتعة تحت وطأة الواجبات المدرسية المملة والثقيلة!

* لم تكنِ القراءةُ يوماً المصدرَ الوحيدَ للثقافة، بل كانت تسير جنباً إلى جنبٍ مع المجالس «المدارس» كما ظل كبارُ السنّ يرددون في كلّ مناسبةٍ أو حتى الثقافة الوليدة»ثقافة الصورة»، ولكن يظلّ للكتاب دهشةً وبهاءً، الدهشة في أن تصادف عقلاً فكّر بما فكّرت به يوماً، وأجاب عن تساؤلاتٍ كنت تظنّ أنك الوحيد الذي دارت في عقله وأنّها لم تخطر على قلب بشر، أو أن تتعرّف من خلالها على نفسك وتتغيّر كما يقول أحمد الشهاوي عن نفسه!

* مع ذلك كلّه، وبالرغم من سحر القراءة إلا أنها تصير بلا فائدة إن خلت من تدبّرٍ في المادة المقروءة، ولتصيرَ وسيلةً - وليست غايةً في حدّ ذاتها - لإخراج الذات من الظلمات إلى النور، وفي ذلك اعتراف ضمنيٌ واحتفاءٌ بالجهل بشكلٍ ما، فلا شكّ أنك «حفظت شيئاً وغابت عنك أشياءُ»، فتغدو القراءةُ نافذةً تتقرّى منها الضياء، «فلا تقرأ كالأطفال لتسلّي نفسك، اقرأ لتحيا» كما يوصيك فلوبير!

* قد يكون هذا أوان أن تتعرف نفسك «علي بابا» أو «أوديب» !!

القاهرة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة