> لعل موقعًا على الشبكة العالمية لم يحظ بشهرةٍ وشعبيةٍ أو جدلٍ واسعٍ حوله كما حاز الموقع «الثوري» العالمي: تويتر, ولعل وصفه بالثوري لم يأت اعتباطًا, وإنما لاعتبارات ودلالات, فهو ثورةٌ في عالم المواقع: وقوعًا, ووقعًا, وإيقاعا!
> أما من ناحية الوقوع, فلم يكن مدشن هذه الفكرة البسيطة يتوقع لها هذا الانتشار الاكتساحي الهائل إن صح التعبير. وهي تتلخص في إمكانية إرسال رسالةٍ موجزةٍ من مرسلٍ واحدٍ إلى أكثر من مستقبلٍ – لا مستقبلٍ واحدٍ- عبر أي وسيطٍ تقنيٍ متاح (كالمحمول أو المكتبي أو أي هاتف ذكي الخ). بمعنى أن الفكرة في أساسها استهدفت تطوير اتساع دائرة المستقبلين لأكثر من واحدٍ وحسب, مع إتاحة الاستقبال لعدد أكبر دون أن يقصد التوجيه لمستقبلٍ معينٍ بالضرورة.
> لم تكن المفاجأة محصورة في القفزة الهائلة للموقع بأن يحوز أكثر من 17.000.000 زائر في الشهر السادس من إعلان إطلاقه, وهو ما يفسر تسابق كثيرٍ من وكالات الإعلام في العالم إلى تدشين حساباتٍ رسميةٍ خاصةٍ بها في تويتر منذ ذلك التاريخ وقبله, حيث السرعة والإيجاز المثاليان في نشر الأخبار العاجلة والسُبُوق الإعلامية, ولكن المذهل بحق أن هذا الموقع الرائد استمر -رغم بعض العوائق والتوقف الاضطراري- في النمو وحصد الأرقام غير المسبوقة من حيث تزايد الاهتمام على كل الصعد بلا استثناء: الشعبي والثقافي والإعلامي والسياسي وغيرها. وفي اختيار الرئيس الأمريكي أوباما إعلان فوزه في انتخابات الرئاسة عبر حسابه الشخصي في تويتر مفضلاً إياه على الوسائل التقليدية دلالةٌ دقيقةٌ على ذلك. ولا يمكن تجاهل الدور الرائد والمؤثر الذي أداه تويتر وبعض مواقع التواصل الاجتماعي - وما زالت في بعض البقاع من العالم- في بعض الأحداث والتحولات السياسية, والاجتماعية, والجغرافية, والتاريخية الحاسمة.
> هذه الثورية غير المنتظرة دفعت بكثيرٍ من الباحثين في العالم المتقدم إلى النظر في ما يمكن أن تقوم به وسائل ووسائط التواصل الاجتماعي - وفي مقدمتها تويتر- من خدماتٍ أو إسهاماتٍ في مجال تقديم وتقييم المعلومة أو الفكرة ونشرها وحتى نقدها وتوجيهها وتطويرها؛ فلم يعد الطرح أحادي التوجيه ولا الاستقبالُ تعدديَ الاستهلاك كذلك. ولم يعد دور الجمهور سلبيًا مقتصرًا على التلقي والاستقبال والاستماع دون المشاركة في توجيه الطرح. ويمكن اختزال التعبير عن الخط العريض لمفهوم التلقي في فضاء هذا الطائر الصغير بكونه: «محادثة.. لا محاضرة!», وهو تعبير له دلالاته سواء من ناحية التحول أو الدور أو الآلية!
> قادت هذه التحولات غير المسبوقة التي قادها تويتر تحديدًا, إلى إعادة النظر في مباحث «تقنوية الكلمة « أو «المعالجة التقنية للكلمة « «Technologizing of the Word», والتي تبحث -في مجملها- تطور وتطوير علاقاتٍ جديدةٍ بين الكلمة والفكرة, مع مراعاة دور التقنية أثرًا وتأثيرًا في تلك العمليات التطويرية. وكأثرٍ بارزٍ لتلك النظرات, ظهرت مصطلحاتٌ كثر أضيفت للمعجم المدني تتعلق بالتغريد عبر موقعه, لعل أبرزها مصطلح «التغريدية» Twittercism»», ومعناه العام باقتضاب كيفية التعاطي وبث الانطباع مع ما يطرح في تويتر عبر تويتر نفسه, بمعنى آلية الصياغة التغريدية للفعل ورد الفعل, وربما بشكلٍ أكثر دقةً: للقول ورد القول!
> ولعل الناظر في لغة ما يطرح في المدونة الأشهر والأصغر يلمح نزوع الخطاب إلى الاتسام بسماتٍ عامةٍ معينةٍ, أو لنقل التواضع على خطوطٍ عريضةٍ من حيث الصنعة التغريدية فكرةً وأسلوبًا بين عموم المغردين. ينطبق ذلك على مستوى التغريد بالعربية أو الإنجليزية وربما على مستوى أي لغةٍ أخرى. ولا ريب في أن هذه السمات هي انعكاسٌ واضحٌ لأثر التقنية في معالجة الخطاب ودورها كذلك في توجيه تلك المعالجة. ولعل من أبرز تلك السمات – وربما المتطلبات!- هو ما يعبر عنه بالإنجليزية باللفظ «Pithy»، ويدور معناه حول تناول لب الفكرة بأسلوبٍ دلاليٍ جزلٍ موجزٍ يستخدم كلماتٍ موظفةً توظيفًا دقيقا.
> ولا يقتصر النظر في الدراسات الغربية حول المدونة الشهيرة على مباحث «التدوين», بل إن المطلع فيها ليلمح الاهتمام بدراسة «التلقي» عبر تويتر بشكلٍ لا يقل إطلاقًا عن سابقه, بل ربما يفوقه في كثيرٍ من الأحيان, حيث تدور هذه المفردة في الأطروحات العلمية والإعلامية بشكلٍ لافتٍ يثير الانتباه ويؤكد الاهتمام المتزايد بهذا الجانب. ومن المدهش ألا يقتصر مفهوم التلقي – حسب تلك الدراسات - على متابعي مغردٍ ما كما قد يُتصور لوهلة, بل على المغرد باعتباره منتجًا أول وكل متلقٍ له على حدة باعتباره مستقبلاً أول ومن ثم تبادل الأدوار في تلقي المغرد من متابعيه الذين تحولوا بدورهم إلى منتجين وهكذا. وقد يعلل ذلك بجدية النظرة والتطبيق لمفهوم كون التغريد: « محادثة لا محاضرة « في التعاطي الفك ري الدائر في تويتر. ويهتم كثيرٌ من الطرح المتعلق بذلك الجانب بمناقشة إشكاليات « التغريد والمغرد النرجسي» «Twitter narcissism and twitter narcissistic», و الانكفاء على الذات «Self-absorption» و»الأَنَانَوِيَّة» «Solipsism», حيث يبحث مدى تعبير التغريدية عن تمحور المغرد حول ذاته وأفكاره أو تفاعله وانفتاحه وانتشاره على أفكار المغردين الآخرين. ويتضح بجلاء عدم الترحيب بذلك الانكفاء المنافي لمبدأ التحاور.
> لا يلزم أن يُفهَم مما سبق عرضه قطعية التعاطي الإيجابي ومثالية التعامل مع تويتر على الدوام في العالم الآخر، فما زال يعج - من جوانب أخرى - بكثيرٍ من التوجيه والاستخدام السلبي, ولكنه- على أقل الأحوال - يتضمن إيحاءاتٍ جيدةً لوجود نوع من الاستخدام المثمر وتجربةٍ غنيةٍ يمكن الإفادة منها, وهو ما ينبغي التركيز عليه والاستفادة منه بدلاً عن بحث السلبيات التي ربما لم تقتصر على مجتمعٍ بعينه, بل هي مشتركةٌ ممتدةٌ بامتداد الوجود الإنساني «غير الإنساني!» ولا يمكن في الحقيقة نفيها النفي القاطع, علاوةً على أن مناقشة ما لا يعتد به يصح أن تعد ضربًا من العبث وإضاعة الوقت في ما لا طائل من ورائه. ويمكن كذلك اعتبار هذا التناول الفكري المثمر مقياسًا صالحًا لمعرفة موقع الحراك الفكري المحلي ووجهاته وتوجهاته من الحراك الفكري العالمي واتجاهاته, عبر المقارنة بالجاري خلال تويتر من الطرفين.
> وقد يكون من المؤسف ألا تحوي المكتبة العربية – حسب اجتهاد الكاتب في البحث - مقالةً بحثيةً واحدةً عن تويتر في أي مصبٍ بحثيٍ أو حقلٍ علميٍ : اجتماعي أو نفسي أو لغويٍ أو فلسفيٍ أو غير ذلك. وعبر بحثٍ طويلٍ لم يتسن الحصول إلا على بعض المقالات الصحفية, منها: «تويتر: فلسفةٌ جديدةٌ للكلام «, المنشور في العدد 2258 من مجلة اليمامة بتاريخ 8-7-1434 هـ, للأستاذ د. عبد الله الوشمي, وهو مقالٌ مُجَادٌ يناقش جوانب مهمةً في آلية التحول الخطابي الحادث بفعل تويتر, بل من المدهش أن يلامس بعض ما جاء في هذا المقال بعض قضايا التغريدية والتدوين والتلقي بمفهومها السائد في المباحث الغربية. ومثله مقالة الأستاذ إبراهيم بن يوسف المالك المصدرة باسم: «في تويتر.. كل المجتمع متوتر!»، المنشور في العدد 15939 من جريدة الرياض بتاريخ 20 - 3- 1433 هـ، ويناقش دور تويتر في إذكاء النزاعات الفكرية الاجتماعية بدلاً عن احتوائها وتوجيهها في صالح الكيان العام, وكيف يساهم بعض من يسمون قادة رأي وفكر في تأجيج تلك الصراعات وكان المنتظر منهم غير ذلك. في مقابل العدد المحدود جدًا من المقالات العربية, وجد في مكتبة جامعةٍ واحدةٍ فقط في الولايات المتحدة أكثر من 42 ألف مقالةٍ علميةٍ عن تويتر, وبلغ مجموع المادة المكتوبة أكثر من 107 آلاف مادةٍ موزعة بين كتابٍ أو بحثٍ علميٍ أو مادةٍ صحفيةٍ. ولعل في هذا إشارةً واضحةً على البون الشاسع في متابعة المستجدات على مستوى الفكر وفي الفكر نفسه وإشباعها بحثًا, والمسافة التي يقفها كلا الطرفين من الآخر في هذا الجانب.
> ولانعدام المرجعية وتعذر الإحاطة بفضاءٍ يدور في فلكه يوميًا أكثر من 300 ألف عضوٍ جديدٍ, وطلبًا لحكمٍ موضوعيٍ وتصورٍ يمكن الانطلاق منه, جاءت الفكرة البديلة باستقراء عددٍ كبيرٍ من التغريدات التي يمكن أن تصنف في الفكر والثقافة, دَوَّنَها مغردون محليون من شرائح اجتماعيةٍ مختلفةٍ وعلى مدى يقارب العام دون أن تُستهدف شريحةٌ بذاتها أو مغردٌ بذاته, ثم محاولة تحليل خطاب تلك التغريدات والتوصل إلى معطياتٍ يمكن تعميمها -إلى حدٍ ما- على تلك التغريدات, وبالتالي على الأجواء الفكرية التي ربما تسود المدونة محليًا, ومن ثم يكون الإسقاط ومقارنة الواقع المحلي بالعالمي من ناحية التعامل الحضاري «المنشود» مع الفكر, والذي لا يبعد أن يشير إليه مُقَدَّرٌ كتويتر باعتباره منجزًا لتداولٍ معرفيٍ حيٍ.
> بينما ينتقل تويتر بالعالم الآخر إلى آفاقٍ وعوالم فكريةٍ وثقافيةٍ جديدةٍ تتناسب وهذه التقدمية التقنية، يغلب على عالمنا انتقاله إلى تويتر بقضاياه القديمة نفسها المعروفة و المستهلكة منذ عقودٍ. على سبيل المثال, وجدت محاضرات جامعية تقدم من خلال تويتر وعبر وسمٍ أو وسومٍ مخصصةٍ لذلك لعدد يقرب من 500 متابعٍ. يشاركون بعد تقديم كل محاضرة بطرح التساؤلات والرؤى وتتم الإجابة عنها من قبل المحاضر حسب الوقت المسموح. بل إن الأمر تجاوز ذلك إلى حدٍ بلغ أن يدشن بعض المغرمين بتطويع التقنية لأغراضٍ تعليميةٍ في السويد « جامعة تويتر السويدية!» Svenska Twitteruniversitetet» ولها موقع معتمد على الشبكة، وهي تحاول استغلال المساحة التي يمنحها تويتر في نقل التعليم العالي من الفصول التقليدية إلى الفضاء الحر ومحاولة منح المجتمع فرصة المشاركة في رفع الرصيد المعرفي. في مقابل ذلك, غلب على التوجه المحلي تكرار طرح قضايا بعينها لعل القول لا يشط حين يذهب إلى أن معظمها هامشي التأثير على المسار الحضاري إن لم يكن ذا أثر سلبيٍ عليه, لم يتغير الموضوع في المطروح من تلك القضايا وإنما الموضع, فالطرح تقريبًا نفسه والتناول تقريبًا نفسه, ما استجد هو مكانهما فقط.فلم يكن غريبًا أن ينتقل الجدال إلى النزاع والحوار إلى الصراع فكلها منتقل مع قضاياه أنى انتقلت بوعيها وشكلها وإشكالاتها. كذلك ظهرت كذلك بعض الوسوم مثل « كيف تختار تخصصك بعد التخرج من الثانوية ؟» أو نحوه لتدل على غياب المنهج والتخطيط المسبق والاكتشاف لمبكر, مما يشير إلى استمرار عدم وجود آليةٍ تربويةٍ لتوجيه الطاقات واستثمار الموارد البشرية بالشكل المأمول كما هو من الأولويات الجوهرية في الدول المتقدمة, وهي إشكالية كبرى بلا شك: تعليميا وتربويًا وفكريًا وحضاريًا, كان من المنتظر ألا يكون لها وجودٌ في عصر التقدم التقني الهائل في ظل توافر الإمكانات المادية على وجه الخصوص.
> تحفظ بعض كبار المفكرين والكتاب الغربيين على امتلاك حساباتٍ خاصةٍ لهم في المدونة, معللين ذلك بأن التعامل مع تويتر ليس كالتعامل مع عمود, والتغريد ليس كسائر الكتابة، وتتطلب الصياغة فيه مهارة خاصةً ومختلفةً, كما أبدى مديرو بعض القنوات الإعلامية الكبرى تخوفهم من التعامل الإعلامي مع تويتر, باعتبار أثره في تغيير آلية التنافس والسبق الإعلامي وتوسيع دائرته بشكلٍ استثنائي, وبعيدًا عن الأخبار الإعلامية والإعلانية ونحوها كان معدل تغريد الفرد في الولايات المتحدة في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوربية والآسيوية 4 تغريداتٍ يوميًا. كل هذه المعطيات تبرز بشكلٍ أو بآخر القلق الناتج عن حساسية الإرسال والاستقبال, بمعنى ترقب ردة فعل المتلقي والتحسب لها باعتبار أهميته ودوره الجديد الذي اكتسبه من خلال تويتر. لا يعني ذلك أن أهميته كانت منتفية في السابق في تلك الأوساط كلا ولكن تويتر خلع عليها دورًا أكبر وأخطر, ولذلك أديرت عبر تويتر استفتاءات كثرٌ ذكية التوجيه استهدفت قياس ردود أفعال المتلقين وانطباعاتهم عن جزئيةٍ ما تخص تويتر وطريقة استخدامه وتوجيهه سواء فرديًا أم مؤسسيًا. في الوسط المحلي, غاب ذلك المفهوم تقريبًا, وغلب على النظرة للمتلقي أن يكون مجالاً للمزايدة -وأحيانًا كثيرة المباهاة!- باعتباره رقمًا مضافًا وحسب, رغم أن هذا المتلقي أضاف بحضوره الجديد نكهةً وإثارةً جديدةً للساحة! ولكنها لم تعامل غالبًا للأسف بوعيٍ وعمقٍ على غير ما كان مأمولا, على خلاف حساسية مفهوم التلقي كقضية شائكةٍ في المدونة العظمى على الشبكة.
> لم يتم تهميش هذا المفهوم بإطراحه جملةً وتفصيلاً ولا يصح أن يفهم مثل ذلك مما سبق. الصحيح أن التلقي – في الأعم الأغلب - كان يوجه توجيهًا يوحي بذلك التهميش والاستثمار السلبي, حيث لم يكن هناك -غالبًا- إلا مرسلٌ أول وأخيرٌ ومستقبلٌ أول قد لا يكون أخيرًا باعتباره عددًا! ولا ينتظر منه أن يكون غير ذلك!فهي محادثةٌ ولكن من صوت واحدٍ! رغم وجود التذمر بالفعل من قبل عددٍ كبيرٍ جدًا من المتابعين من سلوك من يتابعونهم في تجاهل تغريداتهم وآرائهم المختلفة بشكلٍ أو بآخر مع أفكار أولئك بشكلٍ يوحي بالتعمد, في حين كانت إعادة نشر التغريدات المؤيدة أو المادحة بشكلٍ مكثفٍ تغلب ديدن كثيرٍ من المغردين المعروفين وغير المعروفين, الأمر الذي كان محل سخرية مغردين آخرين. هذا سوى الصور الأخرى من التعامل السطحي والسلبي مع المتلقين كتجاهل وجودهم تمامًا. ولا تخلو من كل ذلك مسؤولية بعض المتلقين أنفسهم, حيث أسهم كل متلق لم يع تأثيره ومحوريته في سلبية التصور عنه بل كان يتمثلها تمثلاً حين يصطف ليصطفي لنفسه دور الصدى!
> أسهمت تلك المؤديات في إضفاء هالةٍ إيحائيةٍ على التدوين قد لا تكون حقيقة, وخلع عظمةٍ خاصةٍ عليه قد تكون ادعائية, وأوحت تغريدات كثيرٍ من المغردين وسلوكهم بدورانهم حول تغريداتهم وتمحورهم الشديد حول ذواتهم «Twittercentric», وانتظارهم من المتلقين أن يؤدوا معهم ما يؤدون بأن يدوروا في فلك تغريداتهم ورؤاهم وأن يعتقدوا معهم أن إليهم المنتهى في جلاء النظر وقدح الفِكَر! وكأن تعاظم الشعور بتناقض المفهومات بين المحلي والعالمي كان مقصودًا! وكأنه بذلك دلالةٌ جديدةٌ على مدى الفارق في الوعي الثقافي والثقافة الواعية بين الطرفين! ففي حين كان المدون يعتبر التلقي فرس الرهان ومغامرةً يجب أن تحسب, كان المتلقي مغمورًا في الطرف الآخر يجب أن يحتسب رهينةً لفروسية المدون! أمعن كثيرٌ من أولئك المغردين سلب المتلقي صوته واستلابه صورته بحصر تأثيره باعتباره عددًا مضافًا لا إضافةً تعدديةً بل بلغ الأمر في بعض الأحيان حد الافتتان بذلك. ولا أعجب من أن كثيرًا من المتلقين قبل بهذا الدور السلبي ودعم استهلاك المغرد المفرط لذاته مع إيمانه بأنه لا ينكفئ على تلك الذات إلا من أجل الآخرين! ومما يدل على تبادل الطرفين السلبية في هذا الجانب تكثيف بعض المغردين حضوره بعباراتٍ هامشيةٍ لا لب لها ولا قشر ولا قضية, وإنما هي أشبه بحالة «إدمان تواجد!» ورغم ذلك تتلقى أصداءً واسعةً من المتلقين بلا مبررٍ منطقيٍ, ومن العجيب ألا تقع تلك الأصداء مثلا على مثل تلك التغريدات العابرة وحسب, بل جاوزتها لتمتد أيضًا إلى أحرفٍ مبهمةٍ غُرِّد بها عن طريق الخطأ, فنالت حظًا من التعدد لم تنله من الإعداد!
> كان المنتظر أن يلج الشارع من أبواب التقنية المتفرقة إلى الثقافة.. لا أن تخرج الثقافة من باب عرضها وعرضها الجانبي للشارع ..! النخب التي ملأها الجمود وتململت منه مالت إلى الجحود في موقفها مما سبقها إليه الشعبي وزعمت الترفع عنه.. فإذا بالشعبي يأتي بها راغمة أنفها إلى ميدانه.. ويحاكمها بميزانه! وهي تخطب ود رضاه وتتودد مصادقته بعدما كانت تتوعد مصادقته!! فأبهمت حقيقة التصنيف على بهمتها من قديم أصلاً..! وانقلب الخطاب من انتقاص إلى انتقال.. ومن ترفع لا ينظر بتشفع إلى استماتة في طلب استمالة ! ولكنه رغم كل ذلك عجز عن التخلي عن استعلائيته القديمة فحاول ترويجها بدلاً عن أن يحاول ترويضها!
> باعتبار أن الأولى والأوعى التعاطي مع هذا الكائن باعتباره كائنًا لا مكونًا! منبرًا لا معبرًا!: ضميرًا يومض.. لا وميضًا يضمر ..! كان ينبغي البحث عما يعكس تقدير التلقي لا ما يعكس تلقي التقدير!
> ليت بعض نجوم قنوات التواصل تخففوا من بعض رياساتهم ورياداتهم وأخفوا كثيرًا مما كان في رؤوسهم لكان خيرًا لهم ولغيرهم وأقوم.
> إتقان «مضمون الفراغ».. أفرغ مضمون التقنية.. ولم يعد ظاهرًا أو ظاهرةً تكريس التسابق للتسامق.. بل راوح الظاهر بين التساوق والتساحق.. أو بهما معًا..!
> إشكال الجمهور: الشكل لا الجوهر! وهو على كلٍ مسؤول عن تشكيل وعيه ووعي تشكيله.. فلا يُعذَر بإطلاق ولا يُعسَر بإطلاق.. أما من يشكل الجمهور حضوره فلا يعي حاضره!
> الفكر أضلاعٌ أربعةٌ جوهريةٌ: القضية والتداول والباعث والمستقبل. إذ تتساوى تتسامى وإذ تتقاوى تتهاوى! وإن ظن بأحدها فواقه فالصحيح أنه لا يقوم إلا بغيره. وجود الخلل في مفهوم أو وعي أحدها يعني خلل بقية المحاور وعدم اتزانها!
> الإشكالية ليست في كشف الأقنعة.. بل في كف القناعات!
> الثقافة امتداد لا ارتداد.. إفادة وتنوير.. لا تختزل في «إعادة تدوير»..!
AliAljubailan@
الولايات المتحدة