- يحضر الموتُ في قصص الأطفال والمسلسلات الكارتونية «لزمن الطيبين» بأحد شكلين، فهو إما أن يكون قدراً لشخصيةٍ ثانويةٍ في القصة تموت لتمنح «الحياة» بكل أشكالها للبطل الرئيسِ، فموت الأب في قصة سندريلا مثلاً كان سبباً أساسياً لشقائها الذي صبرت عليه ثم نالت حلاوة صبرها مضاعفةً، ويتخذ الشكل نفسه تقريباً في مسلسل «سالي»، وقد جاء المثالان من «قصص البنات» بمحض الصدفة!

* أما الشكلُ الثاني، فيكون فيه الموت من نصيبِ الأشرار الذين يسعى بطلنا إلى القضاء عليهم بكل ما أوتي من وسيلة، ومما تجدر ملاحظته أنّ هؤلاء الأشرار هم غالباً غزاةٌ فضائيون يسعون إلى خراب كوكب الأرضِ، وكأنّ البشر على هذا الكوكبِ ليس فيهم من يمكن أن يؤذي نملة، وأنّ الشرّ طارئٌ عليهم و»ضيفٌ غير مرحّبٍ به» ! وهنا يقاتل البطل مستعيناً برجلٍ آليٍ أو نصفِ آليٍ يشعر ويتألم ويبكي مثل البشر، وبسذاجةٍ مرهفةٍ منا - الأطفالَ - كنا نتقبّل ذلك كلّه ولكن لا يمكن لنا أن نقتنع أنه قد يموت مثل البشر أيضاً، وعندما مات «جونجر البطل الجبار» مضحيّاً بنفسه من أجل كوكب الأرض أصيب طفلٌ بما يشبه الاكتئاب إلى الحد الذي جعل والده يراسل إدارة التلفزيون لإعادة الحلقة ما قبل الأخيرة، فيبقى جونجر حياً، وربما يعود ذلك إلى النظرة الرومانسية للطفولة التي تقتضي أن:

ولا بدّ للشرّ أن ينجلي

ولا بدّ للخير أن ينتصر

«مع التحية لأبي القاسم الشابي»!

* كانت هذه هي المسلسلات التي نشأنا عليها - جيلَ الثمانينيات - وكان من بين شخصياتنا الأثيرة ديناصورٌ ظريفٌ أو كلبٌ أكولٌ وقطٌ مشاكسٌ، إلى جانب الأبطال الآليين الذين لا يـُقهرون، لكن بدخول الألفية أصبحتِ الشاشاتُ الكثيرة - قياساً إلى الشاشة الوحيدةِ في تلك الأيام - تغصّ بالأشكال الغريبةِ والأبطال «الرقميين»إضافة إلى الكثير الكثير من الصراخ والعنف والمظاهر الدموية، وأظننا نتذكّر جميعاً ما حدث العام الماضي من انتحار خمسة عشر تلميذاً جزائرياً تأثراً بإحدى حلقات «المحقق كونان»، التي تقدم فيها إحدى الشخصيات على الانتحار شنقاً لأنها تعبت من الحياة ثم تتمكن بعدها من العودة ليكون في انتظارها حياةٌ سعيدةٌ هانئةٌ، والغريب في الأمر أن هذه الحالات لم تحدث في مكانٍ واحدٍ بل في ثلاث قرى، في توقيتٍ واحدٍ تلا عرض الحلقة!!

* تتوارد كثيرٌ من الخواطر والأسئلة حين نفكر بكل هذا، فهل كانت القنوات - أو القناة - في ذلك العصرِ، باعتباره صار سحيقاً ويحسن بنا أن نوجد له تسميةً تليق به مثل عصر الحديد والبرونز، هل كانت تمتلك الحكمة فيما تعرض علينا معشرَ الأطفال، أو أننا كنا أطفالاً خارقين نستطيع الحفاظ على «شعرة معاوية» بين الواقع والخيال؟!! وإن كنا نعيد تمثيل ما نراه، إلا أنه اقتصر على تقليدِ بريءٍ دون أن يحدث أذىً يذكر للمقلّد أو صحبه على حدّ «ذاكرتي»!!

* بعيداً عن كل ما سبق - أو قريباً منه - تظلّ قصص الأطفال والمسلسلات الكارتونية فسحةً «سماويةً» يطلّ منها الصغار والكبار على عوالمَ من الخيالِ والسحرِ الجميلِ، ومساحةً تزيح بألوانها المبهجة مرارات ِ الأيام الطويلة، وربما التقطنا رسالتها بأن الدنيا ليست وردية بأقل الخسائر الممكنة، وأنّ الحق يسود ولو بعد حين، فهل حقاً «راحوا الطيبين»؟!!