خطر لي أن أكتب لقارئ هذه الزاوية عن روايات ثلاث، صدرت خلال القرن العشرين (الماضي) لكُتّاب عرب كلهم من مشاهير الأدب والسياسة أو الصحافة والكتابة، وليس فيهم روائي محترف!
والغرابة ليست في هؤلاء الكُتّاب العمالقة الكبار في غير مجال الرواية، بل في الروايات نفسها التي سأشير لكل واحدة منها دون نقدها أو حتى تلخيصها، وإنما قصدت تسليط الضوء على روايات تستحق الخلود، لامتيازها ببناء روائي محكم، وموضوع شيق، وقدرة على البقاء. توجد في عالم القصص والروايات على مستوى العالم الآلاف من الكتب التي ماتت قبل موت كتابها ! وهكذا فالخلود هو دائماً للجيد، كما أن البقاء هو للأصلح - كما يقال -.
لقد شغفتني تلك الروايات الثلاث عند قراءتها قبل سنوات، وأحاول الآن تصفحها أو قراءتها من جديد لأكتب عنها هذا المقال القصير! ومن الصعب تلخيص رواية جميلة أو قصيدة، فلأذكرها لعل القارئ يجدها في المكتبات العربية هنا أو هناك، فبعضها طبع منذ سنين، وبعضها لم يطبع مرة أخرى، ولم تنل حظها من الشهرة والانتشار - ويا للأسف - كما اشتهرت وانتشرت أعمال روائية أقل منها جودة ومستوى، وأرجو أن تكون خزنت على أحد مواقع (النت).
الرواية الأولى: المهاجرون، للكاتب الصحفي اللبناني - سليم اللوزي الذي اغتالته الاستخبارات السورية بعد خطفه وتعذيبه وقطع أصابع يده التي يكتب بها، لأنه دافع عن حرية وطنه، عندما كان الاحتلال السوري جاثماً على صدر لبنان، وكان وقتها يرأس مجلة (الحوادث) الشهيرة كما كان أشهر من نار على علم في دنيا الصحافة العربية.
هذه الرواية نشرتها دار الشروق - بدون تاريخ - وقد اشتريتها من مصر قبل عشرين سنة، ولم أشاهدها بعد ذلك في أي مكتبة سعودية أو لبنانية أو مصرية ! قرأتها في حينها، وأعيد قراءتها الآن بنفس المشاعر التي رانت علي في القراءة الأولى.. يا لها من رواية تستحق أن تكرر وتعاد قراءتها.
إنها رواية حقيقية كما كتب مؤلفها (المرحوم) في المقدمة بدأت معه على شاطئ الريفيرا الفرنسية في صيف عام 1972م حيث يقول:
[إن هذه القصة واقعية في أحداثها وأشخاصها، وإن تغيرت بعض الأسماء، لأنه لم يكن في الإمكان تغيير أسماء ينسب إليها عصر كامل من التاريخ العربي].
ويحكي المؤلف في 325 صفحة عن أسرار وحكايات المهاجرين العرب من الطبقة العُليا في السياسة والمال والنفوذ، الذين أطاحت بهم الانقلابات أو الظروف في المهاجر الأوروبية، فعاشوا حياة ألف ليلة وليلة! أو أحسن! وكل واحد منهم وراءه قصة أو مأساة أو مصيبة نفذ بجلده منها وبنقوده طبعاً، التي جمعها من عرق شعبه ودموعه؟!
رواية تستحق الخلود: رواية البؤساء أو قصة مدينتين أو الأرض الطيبة أو غير أولئك من روائع الأدب العالمي.
أما الرواية الثانية: فهي لكاتب صحفي لامع يبزّ اللوزي في الشُهرة هو المرحوم: مصطفى أمين، صاحب الأخبار وأخبار اليوم والمؤلفات الكثيرة والمقالات الأكثر، ولكن هذه الرواية المسماة: صاحب الجلالة الحب، هي من أقل أعماله وكتبه شهرة، مع أنها من أروع ما كتب! صحيح أنه اشتهر ككاتب صحفي ومحلل سياسي، ولم يشتهر كروائي ولكن هذه الرواية تكفيه! إنها رواية دسمة ومكتنزة ! في 764 صفحة، وتحكي عن مصر في العهد الملكي وطبعت للمرة الثانية عام 1985م في بيروت بواسطة: (العصر الحديث للنشر التوزيع) واشتريتها من مصر قبل أكثر من عشرين سنة، وهي رواية مشوقة جداً، وأسلوب المؤلف سلس، يجعلك لا تملّ من قراءتها على الرغم من طولها. والغريب أنني لاحظت بعد قراءتي لرواية: علاء الأسواني (عمارة يعقوبيان) التي أصدرها بعد هذه الرواية بسنين أن الأسواني قلدها في كل شيء إلا في العنوان؟!
يقول المؤلف عن الرواية:
[قد تكون هذه قصة عمارة في مصر، وقد تكون قصة مصر كلها، قد تكون أحداث هذه القصة قبل ثورة 23 يوليو 1952م، وقد تكون وقعت بعد الثورة، وقد تكون الحرب المقصودة هي حرب 1967م، ولكن هذه القصة هي قصة حقيقية، وأبطالها حقيقيون. ولكن أسماء الأبطال مستعارة ! لأن بعض أبطال القصة لا يزالون على قيد الحياة].
ويستطرد الكاتب:
[في هذه العمارة نجد التاريخ السري الذي لم يكتب، ونجد الحقائق التي عاشت سنوات في طي الكتمان، ونجد الأموات يتكلمون ! والأحياء يموتون وهم على قيد الحياة].
إنها رواية مختلفة كما أسلفت، وهي مشوقة ومؤثرة أنصح القارئ بقراءتها لمعرفة تاريخ مصر الاجتماعي في القرن العشرين، كما ألفت نظر النقاد إلى مقارنتها برواية الأسواني، ليحددوا حجم الاستنساخ الذي قام به الأسواني لهذه الرواية التي سبقت روايته بسنوات طويلة؟!
أما الرواية الثالثة : فهي لصاحب رواية (زينب) المشهورة، المرحوم: محمد حسين هيكل، صاحب جريدة السياسة والمؤلف والمحامي وقطب حزب الوفد الذي زار المملكة في الثلاثينيات الميلادية وقابل الملك - المؤسس وأثنى عليه، وكتب رحلته في كتابه المشهور : في منزل الوحي - الذي طبع عدة مرات.
هذه الرواية المسماة (هكذا خلقت) تقع في أحد عشر فصلاً مع تقديم وخاتمة تشمل 330 صفحة، وطبعت للمرة الأولى في مصر ثم طبعت مرة أخرى في بيروت ولم تنل حظاً من الشهرة ويا للأسف، مع أنها أجمل من (زينب) وأقوى في البناء الروائي، وهي رواية واقعية، كما يشير المؤلف، سلمت مسودتها للمؤلف فتاة مجهولة، بطريقة خاصة في فندق (هيلوبولس) بالهرم مرسلة من صاحبة وبطلة القصة؟! وعندما قرأتها قبل سنوات انتابني شعور بالدهشة والفرح، مختلطاً بالحيرة والاستغراب، لأنها تشبه قصة فتاة عرفتها في بلد الرواية (مصر) قبل سنين طويلة!؟
فهل القصة والرواية كما أردد دائماً: هي ما حدث أو ما يمكن أن يحدث أو ما يجب أن يحدث!
أترك القراءة.. والإجابة للقارئ الحصيف!
جدة