ما لفت انتباهي في التصريح الذي أدلى به الأستاذ حسين بافقيه مدير عام الأندية الأدبية من خلال الصحفي الأستاذ عطية الخبراني في العدد السابق من المجلة الثقافية، مسألة أعدها إلى حد ما «محيرة لأي محلل ثقافي» لتطور تجربة الانتخابات الأدبية؟
وتلك المسألة هي العودة إلى إشكالية «جوهر اللائحة القديمة» أو اللائحة في نسختها الأولى «نوع صاحب الاستحقاق من الانتفاع بالأندية الأدبية»، ويبدو وفق تصريح الأستاذ بافقيه أن اللائحة الجديدة قد غيرت بوصلتها حتى تتجاوز «حصرية الاستحقاق» التي أوقعتها في ضعف «القيادة الثقافية»، وفي هذا المجال يمكن أن نركز على نقطتين.
النقطة الأولى ما مدى موضوعية إعادة إنتاج تأسيس «لائحة الأندية الأدبية»؟.
سيقول خصوم «اللائحة الحالية» إنها تسببت في الكثير من المشكلات. والسؤال الجدير بالذكر في هذا المقام: هل سبب المشكلات «ثغرات اللائحة» التي يرى البعض أنها سهلت وصول من لا يمتلك قدرة أو كفاءة للقيادة الثقافية، أم التطبيق السيئ أو الجاهل للائحة؟
وغالباً ما يحرض التطبيق السيئ أو الجاهل الثغرات الخفية، وغالباً التطبيق الجيد ما يُفقد الثغرات تأثيرها.
ونحن نتحدث عن اللائحة وحاصلها، فعلينا أن لا نغفل روح «التجربة الديمقراطية» التي قادتها الانتخابات الأدبية، وبصرف النظر كانت نتائج تلك الانتخابات موافقة لاتجاهاتنا أو متعارضة معها، فهذه هي «الديمقراطية الثقافية» التي يتحكم فيها عوامل التكتل والأغلبية والأصالة، وهي التي أسهمت في انتصار الشعبي على النخبوي.
ولذلك أخشى أن يكون الصراع بين بعض المثقفين ولائحة الأندية الأدبية في نسختها الأولى هو صراع تفوق «الشعبي على النخبوي»، وأن تلجأ لجنة إعادة صياغة اللائحة في نسختها الثانية أو الجديدة إلى إقصاء «الشعبي» مقابل تعمد «تفصيل» اللائحة على «مقاس النخبوي» وأقليته الجماهيرية، مما يُجمد روح وظيفة الديمقراطية لتجربة الانتخابات الثقافية.
لا ينكر كل من قرأ النسخة الأولى للائحة الأندية الأدبية وجود ثغرات بها، لكن هل هذه الثغرات أثرت على شرعية حاصلها؟ أو أثرت على مسار التجربة الثقافية للأندية الأدبية؟ أو سببت مشكلات تهدد التجربة الثقافية الجديدة الناتجة عن الانتخابات الأدبية؟.
قد يقول خصوم اللائحة أو معارضوها: نعم أثرت على مسار التجربة الثقافية وتهدد التجربة الثقافية الجديدة، و هذا التوصيف لا يمكن اعتماد مصداقيته إلا من خلال التوثيق عبر «استمارة تشخيص للواقع الثقافي للأندية الأدبية ما قبل تجربة الانتخابات وما بعدها»، ورصد مدى الضرر الواقع من ثغرات اللائحة الأولى على التجربة الثقافية ومصدر ذلك الضرر هل هي ثغرات اللائحة أم سوء تطبيق اللائحة، فطالما أدى سوء التطبيق إلى فساد الغاية، فهكذا توثيق لا يؤكد لنا فقط «الضرر الثقافي على مسار التجربة»، إنما يؤكد لنا «فشل اللائحة».
فهل يملك القائمون على لجنة «إعادة صياغة اللائحة أو إصلاحها أو تجديدها» هكذا توثيق يبرر «الهدم» و»إعادة البناء»؟
إضافة إلى أن وجود «ثغرات في اللائحة» في نسختها الأولى لا يبرر «هدم اللائحة» إنما «تعديل» تلك الثغرات بتوضيحات إلحاقية تستقيم بها تلك الثغرات، إلا إذا كان الغرض من اتخاذ سلبيات تلك الثغرات وتكبيرها هو هدم اللائحة وإعادة بنائها وفق «رؤى فئوية» مما يعني إعاقة روح التجربة الديمقراطية أو التلاعب بها أو توجيهها لمنطقة مخصوصة، وهذا الذي لا أتمناه.
إن تأمل المشكلات التي ظهرت في ضوء التجربة الثقافية الناتجة عن الانتخابات الأدبية، مشكلاتها أظنها تنبع من سببين هما.
طبيعة الشخصية الثقافية والأدبية عندنا، وبالمناسبة يمكنني أن أقسم فاعل التجربة الثقافية في السعودية وفق ما أوحته لنا اللائحة في نسختها الأولى إلى ثلاثة أقسام وهي، المثقف والأديب والمثقف الأديب.
أما المثقف فخرج من المعادلة، والمثقف الأديب معظم من ينتمي إلى هذا القسم أحجم عن الدخول إلى متاهة الأندية الأدبية، وظل «الأديب» سواء بمفهوم «منتِج الإبداع» أو دارسه ومدرسه، وهذا القسم هو الذي اقتحم الجمعيات العمومية للأندية الأدبية، ولا شك أن لهذا الاقتحام أسبابه.
التي أهمها القدرة على صناعة التكتل ووحدة الرؤية.
وبالتالي فليس العيب على اللائحة التي «كرست الدلالة الخدمية للأدب» من خلال الأندية الأدبية، فوفق المبدأ الرئيس للائحة الذي يؤكد أن الأندية هي مؤسسة خدماتية للنهوض بالأدب ووضعت شروطاً لمن ينتمي تحت مظلتها، وكل من انطبقت عليه الشروط سارع للانضمام، وأعتقد أنها تنتهي هنا مسئولية اللائحة وتبدأ مسئولية الشخصية الثقافية.
ولذلك كان من الطبيعي أن المشكلات التي ظهرت في الأندية الأدبية لا تمت بصلة إلى ثغرات اللائحة، إنما إلى ثغرات الشخصية الثقافية، وهو ما أنتج الصراعات الشخصية بين مجالس الأندية الأدبية وأعضاء الجمعيات العمومية للأندية.
إن طبيعة الشخصية الثقافية لدينا تميل إلى الفردية. وأظن أن هذه الفردية حاصل غياب التكتلات الثقافية أو الأدبية من خلال المدارس والاتجاهات الدبية.
والجمعيات العمومية ما هي سوى معادل للتكتلات الثقافية، وكان طبيعياً في ظل الميل إلى الفردية أن يعجز أعضاء الجمعيات العمومية في إنتاج ثقافة «العمل المشترك» الذي يوحدّ الرؤية والهدف كما يسهم في وحدة التخطيط والمحاسبة.
ولذلك وحسبما أعتقد أن شخصية المثقف السعودي هي التي فشلت وليست لائحة الأندية.
إضافة إلى استمرار مفهوم «الاحتكار الثقافي» لمجالس إدارة الأندية الأدبية، وأقول استمرار «الاحتكار» لأنه مأزق وقعت فيها الإدارات السابقة ما قبل تجربة الانتخابات، الفرق بين المستويين أن ما قبل الانتخابات الأدبية كان «احتكار القيادة الثقافية من قبل رجل واحد»، أما بعد الانتخابات فاحتكار «القيادة الثقافية» من قَبل عشرة أفراد؛ و»تعددت الأسباب والموت واحد».
أما السبب الثاني فهو عشوائية تطبيق اللائحة أو فوضويتها من قبل رؤساء الأندية ما قبل فترة الانتخابات، وتلك العشوائية والفوضوية كانت إما جهلاً بأهمية هذه التجربة وكيفية إدارتها وإما سوء إدارة اختبئ داخل حسابات معينة.
وقبل أن انتقل إلى النقطة الثانية أريد أن أطرح ثلاثة أسئلة لا أعرف لهم إجابة حتى الآن؛ وهما هل سيستطيع أعضاء لجنة اللائحة الجديدة أن يضعوا لها إطار حصانة تحميها من إعادة الهدم والبناء كما حدث للائحة في نسختها الأولى، أما تظل مثل السابقة على كف عفريت؟ وما مدى شرعية هذا التوجه إن كان حاضر النية عند أعضاء اللجنة؟ وخاصة وأن اللائحة كما صرح بافقيه ستطرح للمثقفين والأدباء، وهم المخولون بالإقرار من عدمه وليست اللجنة، مما يعني أن اللجنة لا تملك شرعية الإقرار.
وفي حالة عدم رضا أغلبية المثقفين والأدباء بالنسخة الجديدة من اللائحة، هل ستشكل لجنة جديدة لإعادة بناء لائحة في نسخة ثالثة؟
أما النقطة الثانية فتكمن في تصريح الأستاذ بافقيه،كما يعرف الجميع أن الأستاذ بافقيه الناقد يحسب للدلالات حساباتها، ومن هنا توقفت أمام استخدامه للفظي «الأدباء والمثقفين» وربطهما باللائحة وتأثيرها.
فاللائحة الأولى كما نعلم «أقصت المثقف» وحصرت «الانتفاع بالأندية الأدبية «في «الأديب» سواء دارس الأدب أو مؤلف الإبداع، وبذلك خرج المثقف من المعادلة.
وتلك الحصرية اعتبرها البعض هي رأس أسباب المشكلات التي وقعت فيها الأندية الأدبية بعد الانتخابات، في حين اعتبر البعض الآخر إن إغفال «الضبط الشارط للفاعلية» ولاكتفاء بهيئة التأهيل الأكاديمي للمستحق بالانتفاع هو الذي أوقع الأندية في تلك المشكلات.
ولذلك أظن أن أعضاء اللجنة قد انتبهوا إلى هذا الأمر ووضعوا في الحسان الضمانات الكافلة لتحقيق «ضابط شرط الفاعلية» وإن كنت أشفق عليهم من صعوبة «حد الفاعلية» و»معايير التحقق منه» مع التحري الكافي لروح العدالة والمساواة والموضوعية.
مع التنبيه إلى أن الفاعلية ليست غالباً معادلاً للكفاءة وأن الكفاءة ليست غالباً مُنتجة للفاعلية.
أعود إلى تصريح بافقيه فيما يتعلق باللائحة الجديدة؛ إن جمعه بين المثقفين والأدباء وربطهما كطرفي انتفاع من اللائحة يجعل أمثالي الذين عارضوا حصرية نفعية اللائحة في نسختها الأولى على «الأدباء» وإقصاء المثقفين يستبشرون خيراً بأن اللائحة في نسختها الجديدة أو المعدّلة أعادت المثقف إلى بيته في ضوء غياب «المراكز الثقافية».
أو هذا ما فهمته من تصريح بافقيه، فهو في مطلع تصريحه يؤكد أن اللائحة «سيقرها الأدباء والمثقفون»، وهو ما يعني أن اللائحة ستوسع المستحق للانتفاع بها، وهذا التوسع وإن حصل فقد يسهم في إفادة الأندية؛ لأن المثقف لدينا أنضج من الأديب.
ثم يختم بالفقيه بعبارة ظاهرها محيّر وباطنها غامض يقول عن نفسه «أنا مثقف والتزم بقيم الثقافة التي هي شأن يخص المثقفين،ولن يصادر أحد على الأدباء حقهم». فهل هذه العبارة من «مقام المفاضلة» أم من «مقام المقارنة» أم من «مقام حسن التعليل» أم من مقام «الجمع بين رأسي المثقف والأديب في الحلال»!؟
جدة
sehama71@gmail.com