الكثير منّا لا يعلم أنّ سيبويه مات كمداً من أجل خطأ نحوي لم يكن له ذنبٌ فيه حيث إنّ الكسائي كان في أرضه وبين أنصاره حين انتصر له الأعرابي بالمداهنة كما قيل فظلت الحكاية الزنبورية نكتة سوداء في تاريخ نحاة البصرة يفخرون عليهم أهل الكوفة كلما دعت الضرورة لذلك ومما أثقل كاهله (حتى) التي مات وفي نفسه شيء لم يبلغه بعد!! ومن لم يمت بالسيف مات بالنحو وإن تعددت الأسباب!! وانقسام النحويين إلى مذاهب هو رحمة للكتّاب والعلماء والشعراء كحال أصحاب الفقه، فما يجوز عند البصريين لا يجوز عند الكوفيين والعكس صحيح، بل احتدم الخلاف بين الفقهاء والنحاة من يكون المقدَم النحو أم الفقه!؟ فطال الجدل حتى قال احدُ الفقهاء لأحد النحاة: سأسألك سؤالاً فإن أجبت عليه كان لكم السبق فقال: رجل صلّى فسها في صلاته فسجد سجود السهو فسها فيها أيضاً فما عليه؟ فقال النحوي: كما إنّ عندنا ليس للتصغير تصغير فما عليه شيء! فشهد له بالأحقية، فنحو العرب يؤخذ به ليس لاستقامة الكلام فحسب وإنما يُستدل به بالقياس على الأمور الشرعية التي أمر بها الإسلام فإن أشكل عليهم من أمور الدين شيء وغُمّيت عليهم إجابته فزعوا إلى النحو يقيسون به مسائلهم كما حدث مع أبي يوسف صاحب أبي حنيفة مع الرشيد عندما كتب إليه أفتنا في هذا الأبيات ومنها البيت الشاهد:فأنتِ طلاقٌ والطلاقُ عزيمةٌ
ثلاثاً ومن يخرق أعقُّ وأظلمُ
فأنشد (ثلاث بالرفع والنصب) فبكم تطلق بالرفع؟ وبكم بالنصب؟ فلم يجد أبويوسف جوابها إلا حينما استعان بالكسائي فقال له: إن كان بالرفع فهي طلقة واحدة وإن كان بالنصب فهي بالثلاث بائنة!.
والخطأ النحوي قد يُغتفر ذنبه إلا في القرآن الكريم فإن حركة الرفع والنصب تقلب المعنى رأساً على عقب وهنا لا يجوز أبداً فإنّ التعلم فيه واجب فالتعتعة والتأتأة والفأفأة ما لايقدر عليه المرء أما اللحن فلا يكون ذلك أبداً مهما كان العذرإلا بتخريج سبقك العلماء إليه حسب القراءات.
والإعراب على الحكاية شيء اخترعه النحاة ليتجاوزوا ما أخطأوا فيه فيقول العَالِم لتلميذه لا تحكهِ إلا هكذا ولا تنشده إلا كما سمعتَه ساعتك فيكون كذلك ويُروى بغلطه شاذاً عن القاعدة الأساسية إلى ما شاء الله.
ويظن البعض أن الأوائل لم يلحنوا في كلامهم قط وإنما وضعت المناهج لنا لاعوجاج ألسنتنا وبُعدِها عن الفصيح وهذا غير صحيح فاختلاط الأعاجم بالعرب أثناء الفتوحات نزع باللسان العربي نحو اللحن وهذا ما استشعر به أبو الأسود الدوؤلي فاستأذن زياد بن أبيه في وضع منهج لكلام العرب عندما رأى ذلك فنهاه حتى احتكم إليه أخوان في إرث فقال أحدهما ( مات أبانا وخلّف بنون!! ) فاستدعى زياد أبو الأسود وقال له: امض فيما نهيتك عنه.
وليس الأمراء والشعراء بمنأى عن اللحن وإن كان محدوداً فالحجاج بن يوسف يعتبر من الفصحاء وقد لحن في كلمة في القرآن الكريم ولم يفطن لها إلا يحى بن يعمر حتى قال له الحجاج: لا بأس لاتسمع مني لحناً بعد اليوم فنفاه!! أما الفرزدق همّام بن غالب فحكايته مع النحويين وابن الحضرمي خاصة طويلة عجيبة وهو كما يقال حفظ لنا ثلث اللغة من( مخها رير )إلى (مسحتاً أو مجلف) حتى ( مولى موالياً )فتضايق حتى أشتد عليه ذلك فقال: عليّ أن أقول وعليكم أن تُعربوا!!.
ولعل حكايته مع الحسن البصري شاهدة على قدرة الفرزدق وتمكنه من اللغة فحينما أنشد قصيدته في مدح هشام بن عبدالملك في مجلس الحسن وأوّلها: ألستم عائجين بنا لعنّا نرى العرصات أو أثرَ الخيامِ
فلما وصل إلى قوله:
فكيف إذا مررتَ بدارٍ قومٍ
وجيرانٍ لنا كانوا كرامِ
قال الحسن: كراماً ياأبا فراس !متعجلاً لظنه بخطأ الفرزدق!، فقال الفرزدق:
ماولدتني إلا ميسانية إن صح ما تقول ياأباسعيد! يُعرِّض بأم الحسن لأنها ليست عربية، أي لست بعربي إن صح الذي لحنتني فيه ! يقول البغدادي وهذا صحيح لأن كرام صفة لجيران ولنا خبر مقدم لكان.
والمعضلة النحوية ليست في العربية فقط وإنما في كل لغات العالم لأنها قاعدة تلتزم بها في حديثك وكتابتك والتقيد بكل حركة حسب قاعدتها دون تغيير إلا بأوجه حددها نظم الكلام المتعارف عليه فأثبتوه ليكون دليلاً على كل خطأ يُطال لغتهم التي تعتبر الهوية الأساسية لكل أمة من الأمم، فالنحو الذي يُصلح لسان الألكنِ هو عماد المحافظة على اللغة العربية الجميلة والتي حباها الله بأن أنزل أفضل كتبه بهذه اللغة العظيمة فعلينا أن نحوطها بكل قوة أمدنا الله بها.
الاحساء