Culture Magazine Thursday  13/06/2013 G Issue 410
أوراق
الخميس 4 ,شعبان 1434   العدد  410
 
بين الشعر والحكايات والتراث
أحمد عزو

 

يتمثل الشعراء بما حولهم من الطيور والزواحف والحيوانات الأليفة والشرسة وكل ما يخدم صورهم وأفكارهم، فيطلقون العنان لـ(كاميراتهم) الذهنية تجول في البراري والوديان والجبال بحثاً عما يخدمهم.

وقد يلهم الشعراء كائنات صغيرة كالفراش والنحل والنمل، أو أكبر قليلاً كالحمام مثلاً، أو العصافير التي وظفوها خدمة لصورهم، وذلك في عدد من القصائد اللطيفة الجميلة، فكان لحجم العصفور الصغير فعل كبير.

فهذا الشاعر حين بلغ منه الغضب مبلغه كان على وشك ضرب زوجته بحيث يخلع لها أسنانها بضربة كف أو لكمة (بوكس)، لكنه تراجع في النهاية لوجود الأولاد إلى جانبها:

ولولا بنوها حولها لخبطتها

كخبطة عصفور ولم أتلعثم

لكن أقول لشاعرنا: وهل ضرب العصفور فيه مرجلة؟!!.

وشتان بين هذا البيت الذي يتقوى فيه صاحبه على زوجته، وبين الرقة المناسبة للعصافير بقول مجنون ليلى:

وإني لتعروني لذكراكِ هزة

كما انتفض العصفور بلله القطر

أما القراءة (النسائية) فهي كما قالت إحداهن: (لذكراكَ) بفتح الكاف، والوزن لا يخل.

وما أحلى تشبيه الطفولة بالعصافير، فالمبدع سليمان العيسى قرنه بضوء النهار وحب الأم:

أنا عصفور ملء الدار

قبلة أمي ضوء نهاري.

وفي قصة موسى والخضر منها ما جاء في (المستطرف في كل فن مستظرف) ما نصه (وقيل: لما اجتمع موسى بالخضر عليهما السلام، جاء عصفور فأخذ بمنقاره من البحر قطرة ثم حط على ورك الخضر، ثم طار فنظر الخضر إلى موسى عليه السلام وقال: يا نبي الله إن هذا العصفور يقول: يا موسى أنت على علم من علم الله علمكه الله لا يعلمه الخضر، والخضر على علم من علم الله علمه إياه لا تعلمه أنت، وأنا على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه أنت ولا الخضر، وما علمي وعلمك وعلم الخضر في علم الله إلا كهذه القطرة من هذا البحر).

وأذكر أن معلماً حكى لنا عن قصة عالم سَافَر في رحلة علمية وبحث ودراسة من دمشق إلى أمريكا، ولما رأى الأمريكان نتائج دراساته وأبحاثه طلبوه ليبقى عندهم فرفض، وبعد إلحاح أيضاً رفض، وعاد إلى بلده، ولكنه كان إنساناً غير طبيعي وتأزمت حالته ومن قائل قال إنهم أعطوه حقنة وريدية فيها ما فيها ما جعله مجنوناً، لكن ليس بليلى!.

وشاهدنا من الحكاية أن الرجل صار يمشي بشوارع دمشق هائماً على وجهه ومعه (عصفور) يحمله على يده ويقول:

يا عصفوري يا عصفور

دور ولف.. ولف ودور

وفي التراث الفلسطيني أن عصفوراً من نوع (الشحرور)، ويقال له بالعامية (الشحتوت)، عند مسكه من قبل الناس صغاراً أو كباراً فلسان حاله يقول:

أنا شحتوت إيش لك مني

لقمة زيت أحسن مني

وبهذا التعبير كان من يمسكه يسارع إلى إطلاقه، كونه صغير الحجم ولا فائدة منه ولقمة خبز مع الزيت أفضل منه، لكنه بعد أن يفلته فلسان حال الشحرور يتغير، وكأنه احتال على الإنسان ذي العقل الرشيد:

أنا شحتوت الغدار

لقمة مني تعبّي الدار

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة