Culture Magazine Thursday  11/04/2013 G Issue 402
فضاءات
الخميس 01 ,جمادى الآخر 1434   العدد  402
 
عن التأليف.. وتبعات النشر!
فيصل أكرم

 

مهنة تأليف الكتب، يحسبها الناسُ باتت سهلة جداً في وقتنا الراهن، إذ شاع أن كل إنسان من حقه أن يؤلف ما يشاء من كُتبٍ يضمّنها خلاصات أفكاره وآرائه وذكرياته وتصوّراته.. وهذا صحيح من جهة، غير أنه ليس بالسهولة التي يتبعها بعضُ المؤلفين من جهات أخرى فيقعون في لبس يضعهم في أماكن لم يقصدوها أبداً..

يستطيع أيُّ شخص أن يكتب، ويستطيع أن يتوجه وهو جالس في مكانه – بالمراسلة الإلكترونية - لأي من دور النشر الكثيرة جداً في شتى بقاع العالم، ليتفق معها على إصدار ما كتب في شكل كتاب، حتى وإن كانت كتابته تحتاج إلى إعادة صياغة وضبط للغة، فدور النشر الآن باتت تتكفل بذلك (!) فهل المسألة تبدأ وتنتهي بهذه البساطة فقط؟

الواقع الذي يغفل عنه أكثرُ المؤلفين الجدد الآن، هو أن (دور النشر) في أغلبها لم تعد مهامها مقتصرة على البراءة التي يبحث عنها المؤلفون في إصدار كتبهم.. فكل دار من دور النشر (بخاصة الكبرى منها) إنما هي ذراع تابعة لتيار من التيارات الفكرية أو المذهبية أو السياسية، وحين يصادف أن شروطها للنشر ومميزاتها تتفق مع ما يبحث عنه المؤلف تكون الصفقة غير بريئة أبداً، فالمؤلف يحسب أن الدار قد أصدرت له كتاباً وحسب، وأنها قد ربحت منه ثمن الطباعة مقدّماً (كما يحدث الآن بشكل شبه معتاد!) ولكن الواقع أن اسم المؤلف قد بات مرصوداً ضمن قائمة المنتمين للتيار الذي أنشأ الدار لمصلحته، وأن الدار التي تستطيع الوصول إلى نقطة التعادل بين نفقاتها وأرباحها تكون قد تفوّقت في نجاحها وخففت عن الراعي لها بعض أعبائها فاستحقت منه مكافأة استثنائية!

على هذا المنهج الخفي نجد في السنوات الأخيرة تباينات غريبة في قوائم الانتماءات (الخفية أيضاً!) فكثير من المؤلفين الجدد ليس لهم من تلك الأحزاب أو التيارات أي هدف، بل إنهم يجهلونها تماماً ويجهلون رموزها وشعاراتها، ومع ذلك نجد أسماءهم ضمن تلك القوائم لمجرد أنهم أصدروا كتباً عن دور النشر تلك، في العواصم المركزية لصناعة الكتاب ونشره غالباً، فتلك في أغلبها مراكز ثقافية بمثابة معامل لأرشفة وترويج مبادئ وتوجهات الأحزاب ومختبرات لقياس الانتماءات والتوافقات، وهذا ما يجهله ربما كثيرون ممن دخلوا عالم التأليف والنشر بوعي لا يتجاوز الإبداع الأدبيّ الحالم!

على صعيد مختلف بعض الشيء، تعالت أصوات الناشرين التونسيين منذ أيام، بالاعتراض الحاد على رئيسهم المؤقت المنصف المرزوقي لإصداره كتاب (ابتكار ديموقراطية – دروس التجربة التونسية) عن دار نشر (لاديكو فيرت) الفرنسية، واعتبروا ذلك إهانة لدور النشر التونسية التي هي أولى من غيرها بهذا العمل، وتنصلاً من الانتماءات الوطنية المتعددة، كما أنهم دعوا إلى (مقاطعة) الكتاب، واستنكروا أن يأتي كتابُ رئيسهم مؤلفاً باللغة الفرنسية بينما تونس الآن تجاهد من أجل استقرار هويتها العربية الموضوعة على المحك منذ الاستقلال الأول وحتى الثورة الأخيرة (أو الأولى أيضاً)..!

الدكتور المنصف المرزوقي يعرف تبعات التأليف والنشر جيداً، فهو مؤلف له إصدارات عديدة في الطب – مجاله الأساسي – ثم السياسة، وكاتب رأي في بعض الصحف منذ زمن، ولا يزال يكتب بانتظام في موقع (الجزيرة القطرية) الإلكتروني، ويتقاضى أجراً عن ذلك حتى حين أصبح رئيساً مؤقتاً لتونس.. ولا يمكن أن يكون توجهه لدار نشر فرنسية قد جاء اعتباطاً أو غفلة عمّا سيحدثه ذلك من احتجاجات واعتراضات الناشرين التونسيين، ولكنه ربما أراد من ذلك، ومن التأليف باللغة الفرنسية في هذه المرحلة إشارات لستُ بصدد الحديث عنها هنا، غير أنّ من يتابع ما نجم وسينجم عن تبعات إصدار هذا الكتاب المرتقب والمقرر توقيعه وتوزيعه في فرنسا اليوم (الحادي عشر من أبريل 2013) سيدرك بعض أبعاد تبعات مهنة التأليف والنشر، سواء كان المؤلف أديباً أو مستثمراً أو هاوياً أو مسؤولاً أو حتى رئيس دولة!

أعود إلى موضوع (التأليف) الذي راج بين الشباب – وعامة الناس - لدينا مؤخراً، وأقول بإيجاز: إن دور النشر (العربية تحديداً، ذات الطابع التجاري) كلها، لم تنشأ من أجل البحث عن (الأرباح) القليلة التي – قد – تجنى من طباعة الكتب وتسويقها، بل هي مجندة تماماً لخدمة قضايا منشئيها.. فابحث أيها المؤلف – الكريم! - عن جذور ومصادر ورموز وشعارات وأهداف الدار التي تنوي إصدار كتابك عنها؛ فهي أمور معروفة لمن يتساءل باحثاً قبل توريط نفسه في (تبعات) لم تخطر له ببال!

ffnff69@hotmail.com الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة