Culture Magazine Thursday  11/04/2013 G Issue 402
فضاءات
الخميس 01 ,جمادى الآخر 1434   العدد  402
 
الرمز الثقافي الشامخ
سهام القحطاني

 

لم أختر نشر هذا المقال في الثقافية درءاً لإحراج مدير تحريرها وإحراجي إلا لعلمي بعدم إمكان نشره في مطبوعات أخرى لا تفضل الكتابة عمن هم في مواقع منافسة وهو من أدوائنا الثقافية المزمنة.

من يقف خلف الحملة الشرسة لتشويه التاريخ الثقافي للدكتور إبراهيم التركي؟.

أقول دكتور رغم أنه لم يستخدم هذا اللقب الذي يستحقه علما وثقافة ونظاماً ولم يستغله؛ إيمانا منه بأن القيمة هي إنجاز المرء وإنسانيته لا ثلة من الحروف تُزيف للمرء ضوءا لا يُضيء وليثبت للجميع أن قيمته الفكرية والثقافية هي أكبر وأعظم من هذا اللقب وأنهما-القيمة الفكرية والثقافية-حصيلة مشوار وتاريخ ثقافيين لا يهزهما دال وضعت أو حُذفت، ستثبت الأيام كذب الكاذبين وافتراء الحاقدين.

والتركي كما عرفه ويعرفه الجميع ليس ممن يُصارع ويتصارع من أجل «دال» أو يعرض مصداقيته الإنسانية والعلمية والمهنية من أجل أمر هو أكبر منه ولا يُضيف له شيئا فهو رمز لا يحتاج لمن يصنع رمزيته أو يضوي عليها.

و كثير ممن يتبجحون «بشرعية دالهم» لا يملك أي منهم ربعاً ولا واحداً من مئة من مؤلفات التركي التي هي بمثابة شاهد عيان على التاريخ المحلي للتحولات الثقافية والاجتماعية كما هي شاهد عيان على التحولات الثقافية لتاريخ العرب.

هؤلاء هم عبيد الدال لظنهم أن لا قيمة لهم خارج مظلتها وأنها وسيلة تكفل لهم تسولهم لمنصب إداري أو ثقافي أو اجتماعي، ولذلك لا نندهش عندما نجد أن أكثر من فشل في المناصب الإدارية ونخر الفساد في إداراتهم هم من يحملون»دال»؛ لأن «شرعية الدال» لا تصنع المثقف الحقيقي والفاعل والنزيه والمُنتِج، و»الدال» لا تستطيع أن تخلق القدرة على العطاء والإنجاز للآخرين.

وكم ممن يحملون الدال يتكدسون في أورقة جامعاتنا رسائلهم العلمية «مسروقة» من آخرين أو «مسلوقة» من آخرين أو «منسوخة من آخرين» فأين منهم أصحاب الضمائر الحية والمدافعون عن حقوق العلم وشرعية الدرجات العلمية،مع أن هؤلاء هم أشد خطرا لأنهم يتحكمون في مصائر الأجيال فيكرسون العجز العلمي والبطالة الفكرية والضلال المعرفي.

إن ما يحدث للتركي هي حملة منظمة «لتصفيته ثقافيا واغتياله»،لا أحد يقول لي بسبب»الدكتوراه» لأن هذه المسألة رهن الأيام التي ستثبت حقيقتها ولعل الأيام تخبئ لنا مفاجأة تقلب الأمور رأسا على عقب، وقد قدم التركي ما يدل على «شرعية داله» ومع ذلك لم يُفاخر التركي يوما «بداله الشرعية» التي أرّقت الكثير من خصومه، ولم يُشهرها في كل واردة وشاردة رغم شرعية حقه واستحقاقه لذلك اللقب؛ وليس ذلك برهانا على وهمية أو زيّف؛ إنما إيمانه بأن قيمته ليست معلقة بتلك «الدال» كما أنها ليست مصدرا لقيمته.

مع أن الاحتكام للسياق المنطقي للمسألة كان أمام بصر خصومه، والحق واضح؛ لكن لا يملك البصر عقلا ما دامت البصيرة غائبة.

إن السياق المنطقي لهذه المسألة يخالف قانون المنطق والسببية، فلماذا يلجأ الدكتور التركي إلى دكتوراه وهمية؟.

إنه صاحب «اثني عشر مؤلفا» أي أنه يملك القدرة على التأليف، والاشتراط المنطقي ينّص على أن من «يؤلف هذا العدد من الكتب» يقدر ببساطة أن يكتب أكثر من رسالة علمية؛ والتركي يتقن اللغة الإنجليزية والاستفادة منها كمصدر معرفي، ويملك الاستطاعة على السفر والانتقال ، كما أنه يتميز بطاقة قرائية هائلة وذاكرة معرفية قوية وخبرات معلوماتية مُؤهلة للإنجاز،ورسالته الدكتوراه هي ضمن نطاق عمله التربوي الإداري وخبرته الطويلة بهما.

فلماذا يلجأ إلى دكتوراه وهمية وهو يملك كل المؤهلات لإنجاز رسالة علمية؟.

وهذا الضعف في مبنى الادعاء هو الذي يجعلني أرفض تصديق محتوى الادعاء بوهمية الدكتوراه.

كما يجعل هذا الادعاء لا يخرج عن حيّز البحث والتحري والمراجعة وليس الاستسلام له دون شرط موافقة المنطق والسببية.

إضافة إلى أن التركي شخصية ثقافية مشهورة صاحب مناصب ثقافية وإدارية قبل الدكتوراه؛ إذن الدكتوراه لا تمثل له ضرورة مُلحة لكسب شهرة أو منصب حتى يحرص على الحصول عليها بأي طريقة تضر بتاريخه الإداري والثقافي.

والتركي مثقف ناضج وحكيم إداري وهو يدرك تمام الإدراك نتيجة وهمية الدرجات العلمية وكشف زيفها مهما طال الزمان، ورجل في مثل نضجه الفكري والثقافي والإداري والحياتي لا يوقع نفسه في مثل هذه المتاهة.

إن المسألة هاهنا لا تتعلق بموقف وجداني من التركي، أو إثباتا لحقيقة أو إنكارا لها؛ إنما تتعلّق باحترامي لقوانين العقل والمنطق والقدرة التي ترفض التصديق بهذا الأمر الذي يخالف قانون السببية وفق ما ذكرته من معطيات سابقا من ربط ضرورة الدافع بالفعل.

ولذلك سيظل الادعاء بوهمية دكتوراه التركي أقرب إلى التشكيك المغرض لغياب الدافع المقنع على حقيقة هذا الادعاء؛ ولو ظل خصومه يقسمون بالله إنه الحق حتى موتهم.

وكان بإمكان كل من شحذ أظافره لنهش التاريخ الثقافي للتركي أن يخضع «مقولة الوهمية» لقانون العقل والمنطق والقدرة والسببية حتى يكتشف أن ما قيل ويقال ليس وحيا منزها خاليا من شوائب الكذب والخطأ أو على الأقل يفرض التشكيك قبل التصديق فالشك أولى من التصديق ويُقدم عليه ما دام اهتز ثبات المنطق وضابط العقل وآلية التيقن.

أقول ليست النميمة التي أحاطت بدكتوراه التركي هي السبب في الحملة المنظمة لمحاولة اغتيال تاريخه الثقافي،إنما خصومه الثقافيون وخصوم النجاح والفاعلية.

لو كان التركي مجرد نكرة لا يحمل أي تأثير لمرت تلك النميمة مرور الكرام، لكنها صنعت فرصة لخصومه لنهش تاريخه الثقافي والتعرض لاسمه ولتصفية حسابات ثقافية، وما خفي كان أعظم.

لقد استطاع التركي أن يصنع جيلا ثقافيا عبر موقعه الثقافي كمدير للشؤون الثقافية في صحيفة الجزيرة وأن يسهم في نشر وعي ثقافي عصري، في حين عجز الكثير من الأكاديميين الثقافيين الذين يتشدقون بدالهم أن يصنعوا من خلال دورهم الأكاديمي ما صنعه التركي.

لقد استطاع التركي من خلال موقعه الثقافي أن يتبنى مشروعا ثقافيا من خلال الثقافية عجزت وزارة الثقافة عنه كما عجز أصحاب الدال ممن يستعمرون المؤسسات الثقافية، وهو مشروع «الوفاء لرموز الثقافة السعوديين» وإحياء تلك الرموز كثقافة حية للتعريف بها للأجيال الثقافية الحديثة.

لتصبح المجلة الثقافية بدورها مُنتِجا للإصدارات الثقافية،وبهذه الخطوة تُعدّ المجلة الثقافية هي الوحيدة في المطبوعات السعودية التي أصبحت مصدِرا للإنتاج الثقافي.

قد يقول البعض إن الدكتور التركي ليس بمفرده من صنع هذا الإنجاز وإنما فريق عمل وقبله إدارة مركزية تؤمن بالتطوير والإنجاز.

وهذا الأمر صحيح، لكن لولا إيمان التركي بمسئوليته الثقافية والقدرة على تطوير تلك المسئولية ما استطاع أن يٌقنع الإدارة المركزية للجزيرة بالقدرة على التطوير وما استطاع أن يبني فريق عمل يؤمن بما يؤمن به.

إن التركي يشرف على «منبر ثقافي» هي «المجلة الثقافية» التي تُعدّ اليوم بفضل التركي من أقوى المنابر الثقافية التي تجمع بين الأطياف الفكرية المختلفة ما بين المحافظ والعلماني والليبرالي والوسطي، وقد كان هذا الدمج بين الأطياف الفكرية على صفحات الثقافية مصدرا لانتقاد التركي لسماحه لبعض الأصوات الثقافية الليبرالية والعلمانية بالتواجد في الثقافية، كما كانت دافعا للانتقام الثقافي منه اليوم.

كما استطاعت الثقافية عبر علاقات التركي الثقافية بمثقفين عرب أن تضم أقلاماً ثقافية عربية مهمة في الثقافة العربية مما أثر إيجابيا على تسويق الثقافية خارج السعودية.

كما أتاحت الثقافية من خلال إيمان التركي بدور المرأة الثقافي وقدرتها الثقافية فرصة كبيرة ومساحة واسعة لصوت المثقفة السعودية وغير السعودية دون تمييز بين رجل وامرأة.

ما أريد أن أقوله إن الفاعلية الثقافية التي يتصف به التركي ربّت له الكثير من الأعداء من العجزى ثقافيا والخصوم الذين يظنون أن سقوط التركي سيخرجهم من ظلهم إلى نوره، لكن الحقيقة تظل أننا نحن من نصنع ظلنا لا نور غيرنا ونحن من نصنع نورنا لا ظل غيرنا أو سقوطه.

لقد اثبت ما حدث للتركي من خصومه لمحاولة اغتياله ثقافيا أن التركي ليس عضوا في شللية ثقافية تذر الملح والفلفل في عيون خصومه، وهذه إشارة إلى «نزاهة التركي» وعدم استغلاله لمنصبه الثقافي لتجميع الطبالين والزمّارين والراقصين حوله، لكنها ليست دلالة على وحدته إنما تفرده ،فالأوفياء ومن يؤمنون به ومن مدّ لهم ضوء الرشاد الثقافي ليسيروا في طريق الثقافة يحيطون به ويدافعون عنه وبه، قد يكونون قلة لكنهم يستطيعون حمايته من شياطين الثقافة التي تتغذى على دماء المنجزّين وأصحاب الأهداف النبيلة، ليس بالرماح والسهام إنما بشهادة حق لها قدرة على إضاءة ظلمة الجحود والظلم.

وسيظل التركي رغم كل موجات الحقد المتلاطمة التي تحجز مصدر الصوت والضوء والصورة رمزا ثقافيا ثابتا متى ما طلع الفجر بزغ ضوئه.

وسنظل مؤمنين برمزيته الثقافية رغم أنوف خصومه، وإيماننا به هو الذي سيفشل دوما أي محاولة لاغتيال تاريخه الثقافي الذي عجز الكثير من المثقفين من هم في سنه وأكبر منه أن يؤسسوا لهم تاريخا موازيا لتاريخه.

دمت لنا أيها النبيل نورا ثقافيا.

وقفة:

وإذا أراد الله نشر فضيلة

طويت أتاح لها لسان حسود

لولا اشتعال النار فيما جاورت

ما كان يعرف طيب عَرف العود

جدة
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7333 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة