Saturday 09/11/2013 Issue 416 السبت 6 ,محرم 1435 العدد
09/11/2013

عود ضمير التثنية إلى السماوات والأرض (*)

عطفت الأرض على السماوات في عدد من الآيات، وجاء الضمير العائد بصيغة الجمع حينًا وبصيغة التثنية حينًا آخر، فمن صيغة الجمع قوله تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ} الإسراء -44، ومثلها:[المائدة-120]، و[الأنبياء-56]، و[المؤمنون-71]. وعاد الضمير في تلك الآيات بصيغة الجمع إلى السماوات والأرض لاشتراكها في الحكم؛ ولكن قد تعامل السماوات معاملة المفرد مقرونة بالأرض؛ لأن ما يبدو للبصر في مقابل الأرض سماء واحدة؛ ولذلك عاد الضمير بصيغة التثنية في قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} [البقرة-255]، وقد يكون العطف بالتثنية لبيان امتياز السماوات عن الأرض وانفصالها؛ إذ قد يتوهم من إعادة الضمير بالجمع كون الأرض من جنس السماوات، قال تعالى: {وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} [المائدة-17]، وقد يظن أن الضمير عائد إلى السماوات وحدهن، ومثله قوله في [المائدة-18]، [الحجر-85]، [الفرقان-59]، الشعراء24، [الروم-8]،[السجدة-4]، [الصافات-5]، [ص-10، 27، 66]، [الأحقاف-3]، [الدخان-38]، [ق-38]، [النبأ-37]، وأما في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} [الأنبياء-30] فلا يمكن عودة الضمير بالجمع لأن الفتق بين الأرض من جهة والسماوات من جهة أخرى، فهما جهتان، فلابد أن يعود الضمير بصيغة المثنى. وهذا ما نفهمه من قول بعض المفسرين، قال السمين «قوله: {كَانَتَا} الضميرُ يعودُ على السماوات والأرض بلفظِ التثنيةِ، والمتقدِّم جمعٌ. وفي ذلك أوجه أحدُها: ما ذكره الزمخشري فقال: وإنما قيل (كانتا) دونَ كُنَّ؛ لأنَّ المرادَ جماعةُ السماواتِ وجماعةُ الأرَضين. ومنه قولُهم: لِقاحان سَوْداوان، أي: جماعتان. فَعَلَ في المضمر نحوَ ما فَعَل في المظهر. الثاني: قال أبو البقاء: الضميرُ يعودُ على الجنسين. الثالث: قال الحوفي: قال: كانتا رَتْقًاً والسماوات جمعٌ لأنه أراد الصِّنْفَيْنِ. قال الأسودُ بنُ يَعْفَر:

إن المنيَّةَ والحُتُوفَ كِلاهما

يُوفي المخارم يَرْقُبان سوادي

لأنه أراد النوعين، وتبعه ابن عطية في هذا فقال: وقال (كانتا) من حيث هما نوعان. ونحوُه قولُ عمرِو بن شييم:

ألم يُحْزِنْكَ أنَّ حبالَ قيسٍ

وتَغْلِبَ قد تباينتا انقطاعا»(1)

ومثل ذلك قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ} [ الشورى-29]، ولكن المفسرين لم يشغلهم أمر عود ضمير المثنى إلى الجمع بل بثّ الدواب في السماوات؛ إذ الذي استقرّ في الأذهان أن ليس فيهن من خلق الله سوى الملائكة، فذهبوا في تخريج ذلك إلى مذاهب منها أنه قد ينسب إلى الكل ما هو للجزء، ومنها تقدير لفظ محذوف أي (في أحدهما)، ومنها أنه قد تكون في السماوات دوابّ علمها عند الله، ومنها أن الدوابّ كل ما دبّ فينطبق على الملائكة أيضًا.

*** ***

(*) مهداة إلى أستاذي عبدالرحمن بن محمد الخميس

(1) السمين الحلبي، الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، 8: 147

- الرياض