* هل فكّرت يومًا بالشبه الغريب بين الفاصلةِ والواو؟! حسنٌ، أرجِعِ البصر كرّتين ستجدهما توأمًا مختلفًا في الشكل دون العمل، إذ تبدو الفاصلة تحبّذ السّير على الرأس - رؤية العالم مقلوبًا مئةً وثمانين درجة - في حين تحتفظ الواو»لست أدري لمَ جعلتها مؤنثةً» بعقلانيّتها والنظر إلى العالم - المقلوب أساسًا - دون الحاجة للسير بشكل بهلواني!
* حين ردّ الأعرابي على أبي بكر الصدّيق لمّا سأله إن كان يبيع الثوبَ الذي بين يديه قائلًا: لا رحمك الله، كان يعني حتمًا ما أشار إليه أبو بكر أن يقوله: لا ورحمك الله، فالواو «الجامعة» عادةً فصلت بين الكلام وفصّلتِ المعنى بما هو أكثر لباقةً ولياقةً أيضًا!
* في السياقِ نفسه وبشكلٍ عكسي أو مقلوبٍ ربما ليكون أكثر تناسبًا مع «الفاصلة»، يُحكى أن باندا دخل مطعمًا وأكل ثم نهض وأخرج مسدسًا وأطلق النار وغادر فسأله صاحب المطعم لمَ فعل ذلك فقال: لأني باندا! وحين استعان الرجل بالقاموس وجد: الباندا يأكل البراعم وأوراق الشجر (Panda eats shoots and leaves)، لكن الباندا ببساطة وضع فاصلة في الجملة بحيث صار المعنى: الباندا يأكل ويطلق النار ويغادر (Panda eats, shoots and leaves)! يبدو أن هذا الباندا كان يشاهد «خربوط» المناهل مؤخرًا!
* من عجائب هذين الرمزين «الواو والفاصلة» أنّهما يتبادلان الأدوار دون أن يشعراك بذلك، ففي حين أن الواوتفيد مطلق الجمع كما يقول شيوخ النحاة غير أنّها تأتي للفصل، هذه التي شغف بها الصاحب فقال عنها إنها أجمل من واوات الأصداغ! والفصل الذي هو المصدر لاسم رمزنا الثاني «الفاصلة» يصير وصلا فتراها تجمع الشتيتين أو الأشتات، ربما لو عرفها قيس لأرسلها لليلى طوقَ نجاةٍ بدلًا من أن يقضي جنونًا!
* لم يكن قيسٌ أو غيره من الشعراء قديمًا يعرف الفاصلة حتمًا، ولا عرفها أي شاعرٍ من أي أمةٍ أيضًا، لأنها ولدت بعد ظهور الطباعة ولهذا يرى أراغون أن لا ضرورة لاستخدامها في الشعر. عجيبٌ كيف تسللت هذه «الفاصلة» الصغيرة «لتجمع» الأمم بلا أدنى مجهود! لا أظن أن عليها أن تكترث كثيرًا لأمر ورودها في الشعر أو لا، إنها «لقطةٌ شعرية» في حد ذاتها، أو «موسيقية» حين تتحكم بنبرة الصوت بين عالية ومنخفضة، أو حين تجبرك - برأسها المقلوبة - على التوقف لالتقاط نفسك مثلما يفعل المغنون!
* فاصلة أخيرة: ليس كل من يعرف من أين تُؤكل الكتفُ يفهم فلسفة الفاصلة، انتبهْ لرأسك حين تمرّ من هنا!