من خلال حواراتي التائهة في منعطفات اللغة، ونقاشاتي الهائمة في خريف الكلام أو ربيعه، اكتشفتُ أنني في عجعجة الحوار المتبعثر كنثيث السقاء، لا أخرج بطحين غالباً، ولكنني أخرج بإعادة صياغة عجعجتي، واكتشاف مكانٍ جديدٍ لائق بها في مقامات موسيقى الفكر والمعرفة...
عندما نتحدث عن أنفسنا، لا نتحدث عن نموذج «واحدٍ من الناس» إننا نتحدث عن ناتج آلاف النماذج البشرية التي أنتجت - بغير قصد أم بقصد - واحداً جديداً منها..
عندما يطرحني المرض أرضاً، أو عندما تسرقني صالة انتظار، أو عندما تلفظني الأحداث فأكون في مكان مزدحمٍ بالناس/النماذج، أمارس هوايتي في بناء جسور الحوار / الثرثرة، ولست أريد اكتشاف هذه النماذج البشرية المختلفة أفكارها، بقدر ما أريد اكتشافي من خلالها، كنموذجٍ جديد!
عندما أحدثهم عن تجاربي ومغامراتي، لست أحدثهم عما أنجزته في حياتي، الحقيقة أنه حديث عما أنجزته الحياة معي..
كان صديقي الذي لم أره، جورج برناردشو، يحدث سيدة حسناء عن حياته.. ومسرحياته، وبعد ساعة من جمال الحديث، قال لها: لقد حدثتكِ عني؟ والآن: حدثيني عنكِ؟ ما هو رأيكِ في مسرحيتي الأخيرة!!؟
تماماً كمحدثكم، الذي جلس مع عجوز شمطاء، وقال لها: « إن هذا الفتى ولد بأبها، وأتم الرضاعة بمكة، ونشأ بين صبايا هوازنٍ بالطائف، وأضاع شبابه في صحراء نجد، وهو كائنٌ كتابي من الدرجة الأولى.، وبعد ثانية ونصف، قال لها: عذراً.. لقد مللتُ من حديثكِ سيدتي!؟ في أمان الله !