يعد التراث ميراث الشعوب الإنسانية به تعرف تاريخها ومن خلاله تقرأ مستقبلها فهو قضية القضايا الذي لا تغلقه أجوبة النظريات ولا تخلقه أبنية المقاربات. وسؤال الأسئلة الذي يمتحن فيه الباحث.
لهذا جعلته الندوة الثانية لقسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود، في قلب المساءلة المعرفية والمنهجية، إدراكا منها لصعوبة القراءة الفردية له، ووعيا منها لتضافر القراءات الجمعية التي تضعه على محك النظر البحثي.
فقد ظلت قراءة التراث العربي ( أدبيا ولغويا) لسنين عددا محكومة بخلفيات إيديولوجية مختلفة عند كل مفكر، وبمناهج متعددة عند كل باحث، ومرد ذلك لطبيعة التراث الاختلافية (بالمعنى الدريدي)، منذ فترة النهضة إلى عصر العولمة الحالي:
- لماذا تقدم الآخر وتأخرنا؟
- سؤال التراث والهوية الضائعة؟
- سؤال التراث والذات المهزومة؟
- سؤال التراث والعولمة الفائقة؟
وبهذه الأسئلة المتدبرة حاول المفكر والناقد العربي الحفر في أنساق التراث العربي، بدءا من كتابات زكي مبارك وعلي عبد الرزاق في عشرينيات القرن الماضي، وأمين الخولي وطه إبراهيم في الثلاثينيات، وما جاء بعد ذلك من بحوث ودراسات حافرة في سؤال نحن والتراث ورؤية الآخر لنا من خلاله؟، مع كل من زكي نجيب محمود ، وأدونيس، ومحمد أركون، وحسن حنفي، ومحمد عابد الجابري....الذين حاولوا وضح حفريات لتكوين بنية العقل العربي التراثي نقلاً وعقلاً، إبداعاً واختراعاً.
وهذا ما تتنزل فيه ندوة قسم اللغة العربية، والتي تريد من خلال محاورها والبحوث الناظرة في هذه المحاور من نقد القراءات السائدة للتراث، وبناء قراءة نسقية ومنهجية لنصوص التراث الأدبي واللغوي، فهي بذلك لا تريد العودة إلى التراث لبناء الحاضر فقط بل تهدف إلى العودة بالتراث لاستشراف المستقبل.
فأمة بلا تراث، أمة لا يعول عليها علما ولا بحثا، لأنه غاية الغايات، فالتراث يعلمنا فن العيش مع ذاكرتنا المتسامحة مع الآخر المعرفي، وبذلك سنغير عاداتنا في قراءته والتفاهم به معه.