استعرضت كتابة أخي الصديق العزيز خالد الرفاعي الباكية “المضحكة”، التي علّق فيها على ما كتبته هنا في “الثقافية”، تحت عنوان “متى يعلنون وفاة الأندية الأدبيَّة؟”، وانتهيت إلى جملة من النقاط التي تؤكد أننا ندور في مضمار كلامي، ونتوهم أننا ضمن معامل تخصيب اليورانيوم!!
بين أيديكم قراء “الثقافية” ما كتبته وما كتبه أخي خالد.. والسؤال: أينا أنهكه البكاء؟ أظن أن نظرة واحدة لما أوردته أخي خالد في مقدمة كتابتك وما تلاها من سرد.. كفيلة بأن تضع القارئ أمام خطاب تأبيني يناسب مراسم تشييع الأندية الأدبيَّة، وأخذها إلى مثواها الأخير..
أخي خالد.. في الحين الذي كنت تكتب فيه هنا في “ثقافية الجزيرة” كتابتك التأبينية، مستميتًا في الدفاع عن الأندية الميتة، كان الصديق محمد باوزير في الزميلة “الرياض” ينشر على صفحة كاملة عبر مشاركات عدد من المعنيين استطلاعًا أظن أن قارئه ينتهي إلى حقيقة واحدة مفادها: الأندية الأدبيَّة لم تعد تصلح للاستخدام المعاصر.. وبعبارة أكثر لطفًا: يجب أن يعاد النظر في الصيغة والآلية والطريقة التي تعمل وفقها الأندية الأدبيَّة..
أخي خالد.. تمنيت أن لو مرَّرت مسطرة السطحية والعمق على كتابتك قبل أن تنحني وأنت تقيس أطوال الآخرين المستقيمة.. وإليك أخي خالد برقم واحد فقط من أرقام كثيرة تسربت من مسطرتك حين لم تستطل قامتك بكامل مهابتها لتراها عبر “ضربة زر إلكتروني”: (الأندية الأدبيَّة.. تاريخ انتهاء الصلاحية) سعيد السريحي عكاظ 11-11-1434 وانظر بماذا استهل مقاله الرصين: (التساؤل عمَّا إذا كانت الأندية الأدبيَّة لاتزال صيغة مؤسساتية مناسبة لإدارة الشأن الثقافي ليس تساؤلاً جديدًا فقد برز على السطح خصوصًا بعد إنشاء وزارة للثقافة وإلحاق الأندية الأدبيَّة بها، حيث توقع كثير من المهتمين بالشأن الثقافي أن تتويج الثقافة بإنشاء وزارة لها، حتَّى ولو كانت ملحقة بوزارة الإعلام أو وزارة الإعلام ملحقة بها، سوف يستتبعه عمل مؤسساتي آخر يشكِّل نقلة نوعية في إدارة الشأن الثقافي لا تتوقف عند تغيير مجالس الإدارة أو تجديد الجمعيات العمومية أو اعتماد الانتخاب بدل التعيين، وكأنما غاية ما يمكن تقديمه للمثقفين ونهاية ما يتطلعون إلى تحقيقه).. وهنا يبرز الاستفهام الصارخ أخي خالد.. لماذا وهبتني (بالمجان) شرف القول منفردًا بحتمية تغيير الأندية الأدبيَّة؟! هل أزعجتك مفردة - حقيقة الموت؟! هل أقلقت أمان بطاقتك التعريفية؟! ثق صديقي بأن هذه أيْضًا ليست لي.. حتَّى وإن حاولت أن تهبني إيَّاها على الطريقة المجانية.. فحكاية الموت أطلقها أستاذنا الكبير، الذي يزيّن جبين هذه الصفحة الورقية من “المجلة الثقافية” الدكتور عبد الله الغذامي.. حين قال: (وأنا الذي قال ويقول بموت النقد الأدبي لم أعد أجد نفسي في مجالات الأدب ولا في فروعه) المجلة الثقافية العدد 101 الموافق 1426هـ..
واسمح لي أخي خالد.. أن أعود “والعود أحمد” إلى مسطرة السطحية التي تستطيب مقايسة أطوال العقول عبر تقسيماتها.. أين غابت عنك فكرة المراكز الثقافية التي أطلقها وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجه مطلع توليه الحقيبة الوزارية؟! أليست المراكز الثقافية مظلة كبرى تضم مؤسسات الثقافة وجمعياتها كافة.. ألا ترى أنها حلٌ عمليٌّ خلاّقٌ لهذه المرحلة التي تُقابل فيها الأفكار المدروسة بعمق حقيقي لا “سطحية مجانية” في أحيان كثيرة بالفشل والإخفاق.. ولك أن تتخيّل حال الأندية الأدبيَّة الميتة منذ أربعة عقود ـ ربَّما نستثني الثمانينات التي أشعلتها حركة الحداثة وما صاحبها من صراعات ـ وبالعموم فإنَّ التوجُّه الرسمي لدى الوزارة يسير نحو المراكز الثقافية، بل إن أحد القياديين الكبار في الوزارة قال بهذا النص: (لو كان الأمر بيدي لألغيت الأندية الأدبيَّة الآن ولجمعت الفعل الثقافي كاملاً تحت مظلة المراكز الثقافية).
واسمح لي أخي خالد.. أن أعود “والعود ليس أحمد دائمًا” إلى حفلة المطبوعات والفعاليات والأنشطة وكمية الكلام المهول الذي أوردته في مقالك المتباكي على جثة الأندية الأدبيَّة.. ثق أخي خالد أنك بالفعل كتبت خطابًا تأبينيًا محزنًا للغاية ومثيرًا للشفقة أيضًا.. لكنني أشكرك بصدق حين ذكرتني بهذا النوع من الكلام الذي لا يناسب الكثير من القضايا مثلما يناسب ويلائم حكايا الأندية الأدبيَّة..
وليتك تخبرني أخي خالد أين كنت حين كان صاحبك يفتح ملفات الأندية الأدبيَّة الصدئة في هذه المجلة ويستقبل أكوامًا من كميات الكلام المتباكي على النحو الذي كتبت به مقالك، مستعرضًا أكوام الفعاليات التي لا يحضرها أحد ولا يستفيد منها أحد، حالها حال المطبوعات والنشرات التي مجّدتها يا صاحبي وكأنها تُضَاهي أوعية أمازون الإلكترونية!! عد أخي خالد إلى هذا الرابط، ثمَّ استعرض ما تلاه من ملفات الأندية الأدبيَّة الأخرى في “الثقافية”.. ولكي تنجو من هدية السطحية المجانية والانتحار الثقافي ليتك تبحث في تلك المرحلة عن الملفات المتعلّقة بالمؤسسات الثقافية في الصحافة السعوديَّة التي أعقبت ما أثارته “الثقافية”.. أظن أخي خالد أنك لست بحاجة إلى من يقول لك: ما علاقة ذلك بإنهاء مرحلة التعيينات وإقرار الانتخابات؟ وبالمناسبة فأغلب ما استندت إليه في مقالك من إيجابيات يأتي ضمن مخرجات مرحلة الانتخابات: /culture/10052004/gadaia23.htm
ثم قارن ما كتبته في مقالك التأبيني بكتاباتهم التأبينية وانظر أين سيكون مكانك في طابور الداعين إلى الجمود المتهيبين من التغيير العاجزين عن اتِّخاذ القرار الشجاع المنتهين إلى خسارة الموقف والظرف الثقافي الصَّادق والنبيل؟ وهنا أقول بصدق عميق: أرى وجهًا ليس لك وليس منك فيما كتبت أخي خالد!!
أنر جهلي أخي خالد.. لماذا لا يحضر فعاليات أدبي الرياض ـ مثلاً ـ سوى عدد لا يصل إلى 20 شخص في المتوسط العام ـ بما فيهم العمال في النادي ـ وليتك تستحضر عدد سكان هذه الرياض الحبيبة الذي يتجاوز 6 ملايين نسمة!! أنبئني أخي خالد عن متابعي معرفات الأندية الأدبيَّة على مواقع التواصل الاجتماعي.. لماذا هذا الزهد من الناس فيها؟ لماذا تزداد نسبة حضور الفعاليات - نوعًا ما- كلّما اقترب موضوعها من الثقافي العام لا الأدبي المتخصص؟!.. وأظن أن هذا أحد أهم أسباب نجاح نادي الرياض الأدبي إبان رئاسة الدكتور عبد الله الوشمي عندما اتجه إلى الثقافي أكثر منه إلى الأدبي.. قبل أن يرحل عنه ليعود من بعده النادي إلى الموت الذي ألفه..أما أضحوكة النشر المشترك التي تبنَّتها الكثير من الأندية فهذه لعبة انطلت عليها بعفوية محزنة وأرجو أن تتاح الفرصة قريبًا لشرح خفاياها بصورة كاملة.. وفي ذات الإطار تأتي المطبوعات التي تمتلئ بها مستودعات الأندية دون أيّ محاولة جادة لتحويلها إلى منتج إيجابيّ وخلاّق ومتاح إلكترونيًا وعبر منافذ البيع ونحوها، مستفيدًا من تقنيات الإنتاج الحديث لا تركها كما كانت عليه الأمور بالاعتماد على مدارس الإنتاج التقليدية..
تبقى الإشارة إلى الصورة الذهنية “المزعجة”.. ثق بأنني كنت أحاول أن أكون لطيفًا بعض الشيء وإلا لأسميت الأشياء بمسمياتها الصحيحة حينها لن أجد إلا الصورة النمطية لتشخيص واقعها على وجه الدقة..
ختامًا تقبل خالص الشكر أخي فضيلة حارس الثقافة الأستاذ خالد الرفاعي، الذي كان المشهد كاملاً ـ على الأقل منذ أن عرفت الصحافة الثقافية قبل خمسة عشر عامًا ـ ينتظر حضوره ليعطي أذونات الكتابة “بسطحية مجانية “ حول القضايا والأحداث وفق ما يروق لأصحاب الفضيلة الحراس.. على أن هناك أنواعًا كثيرة منهم على سبيل المثال: حارس ثقافة وحارس فضيلة وحارس مرمى.. وفي كلِّ حارس خير!!