الانفجار الذهني
ما بين الحداثة والصحوة كانت النيران غير الصديقة، ولكن هل لإحداهما أن تحول النار إلى جمرات في المبخرة، لا شك أن شيئا من هذا تحقق لنا ليس عن خيار ولكن لاضطرار فرضته الوقائع أولا ثم صار تغيرا ذهنيا بعد ذلك. ولقد بنيت الحداثة على مقولة مركزية هي (لم لا تفهم ما يقال) التي قالها أبو تمام فصارت مبررا أخلاقيا ضد جمهور عريض يشتكي من الغموض الحداثي ولا يجد منا تعاطفا، ثم جاءت الصحوة في 1987وحصل انفجار ذهني تبين معه أن للغموض مضار فادحة، وهنا بدأ تعديل الخطاب بحيث تضع اعتبارا لشروط الاستقبال حين تدرك أن المرسل إليه لم يعد مستسلما لنخبويتك ولا لنظرية أبي تمام، بل صار كائنا شرسا يحاسب وينقد، وتزامن هذا مع نظريات الاستقبال وحالة المتلقي وكون النص عالة على قرائه وليس قيمة نخبوية لمنتجه، كنا نسخر من زملائنا الأكاديميين حين يشتكون من عدم الفهم، لكن جيل الصحوة لم يكن يتشكى وإنما يرد بشراسة وعنف لفظي ولديه قدرات هائلة في الانتشار، وهنا جاء الدرس وكأنما تذكرنا فجأة أن الخطاب متعدد الوجود ابتداء، ثم متعدد الوجوه استقبالا، وهذا توسيع ضروري للمجال المعرفي يضع الاستقبال في قائمة اهتمامه ولذا ماتت نظرية الغموض معرفيا وإبداعيا تبعا لهذا الانفجار الذهني حينما أدركنا أننا لسنا وحدنا في الميدان، وهو درس قاس حدث معه تغيير نوعي في الخطاب الحداثي أولا وجعل الحداثة حداثات وليست تفردا فئويا، وسيحدث للصحوة نفسها شيء من هذا وستكون (صحوات) وستدرك أنها ليست متفردة في الميدان، وهذا انفجار ذهني تغيرت معه قوى التفكير والتدبير معا حين يتغير من يحاول أن يغيرك ويحدث له ما يحدث لك.