د. عبد الكريم السيد يزيح هم الغربة برسم لوحات تحمل أمل العودة
من المؤسف أن تكون نظرتنا في بعض الأحيان تتجاوز من حولنا إلى عالم آخر مع أننا قد نرى في ذلك العالم أقل مما نراه لو أمعنا النظر في محيطنا القريب وأعني بذلك الإبداع التشكيلي الذي جعلنا نصنع من أعمال الفنانين في الغرب مثار دهشة ونغض الطرف عن الأقربين ممن يمتلكون ما هو أجمل وأرقى وأصدق مما أدهشنا لدى الغير لكنها العادة إن لم تكن التقليد أو الاعتقاد بأنهم هم الأفضل والأكثر قدرة على الإبداع.
وحينما أقول الأقرب فلا أعني محيطنا المحلي (السعودي) تحديدا مع أهميته لكننا أيضا جزء من المحيط الخليج ثم العربي ولهذا حرصنا عبر هذه الصفحة في المجلة الثقافية بجريدة الجزيرة أن نكون أفقيين في تحركنا نحو كل مبدع في عالمنا العربي وحتى الإسلامي وذلك لعدة أسباب من أهمها أن في كل بلد عربي فنانين يستحقون أن نعرف بهم لأقرانهم في المملكة العكس صحيح أيضا وفي أي موقع آخر تقع بين يديه هذه المجلة.
فنان يسكن في داخله وطن
واليوم وكعادتنا في تنوع ضيوفنا نستقبل الفنان الفلسطيني المقيم في الشارقة الدكتور عبد الكريم السيد الذي يحمل ذاكرته ومضات لا تخلو من وجع الغربة ذكريات تنوعت بين ثابت ومتحرك أرض ومجتمع قرية وجيران وأشجار زيتون، كلما شاهد غيمة تخيلها رسالة من الوطن وإن هطلت قطراتها اشتم فيها رائحة أرضه وإن مر به طير أنصت لعل في تغريدته ما يحمل أمل لا ينقطع أو يموت.. تلك هي فلسطين وهذه هي رسالته التي يشارك به البندقية والقلم في وجه العدوان المحتل موثقا ومثبتا للعالم أن الأرض الفلسطينية لا زالت تسكن قلوب وعقول الفلسطينيين ولن تخرج مهما تبدلت أو تنقلت أقدامهم على أي أرض.
حضور فلسطين في قلب المرسم
زرت مرسم الفنان الدكتور عبد الكريم في إحدى دورات بينالي الشارقة شعرت خلال وقوفي بين لوحاته أنني في مرسم في فلسطين وليس الشارقة لولا وجود عدد من اللوحات البعض منها مكتمل والآخر لا زال في طور الاكتمال، كانت فلسطين حاضرة في مرسمه وحينما طرحت سؤالا لم يكن في محله عن هذا الحضور كادت عيناه تغرقان في الدموع وإن لم تسقط على وجنتيه اللتان رسم فيهما الزمن أخاديده.. حضور لا يغيب عن لوحات كل الفلسطينيين في كل أرض يقيمون فيها.
تجارب وخبرات متراكمة
الفنان الدكتور عبد الكريم السيد كان ولا زال مادة خصبة عند البحث عن تاريخ الفن التشكيلي في الإمارات وقد منح مساحات يستحقها في الصحف أو اللقاءات التلفزيونية ما يجعلنا في حالة من ارتياح عند انتقاء ما جاء عنه وما كتب إن كان خبرا أو في مقالة لناقد أو باحث ومنها ما يمكن تقديمه اليوم على النحو التالي :ـ
تحدث عن تجربته في لقاء بعنوان الاستوديو المفتوح تضمن مجموعة من أعماله أقامته إدارة الفنون بدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة في بداية عام 2013
استعرض الفنان السيد تجاربه الفنية على مدى حوالي الأربعين عاما في دولة الإمارات العربية المتحدة، والشارقة بالذات، حيث كانت بدايته، كجميع الفنانين العرب، واقعية تقليدية، ثم تنقل بعدها بين المذاهب الفنية المختلفة من انطباعية وتعبيرية، حتى وصل إلى التجريد التعبيري الذي استمر معه لفترة طويلة، ثم التجريد بنوعيه اللوني والهندسي، مستخدما كل الخامات تقريبا من زيت وأكريلك وألوان مائية وطباعة بمختلف أنواعها، حتى وصوله إلى المرحلة الحالية التي أطلق عليها « مجموعة حبيبتي رحاب « والتي بين فيها ربيع فلسطين المقبل، بالمرأة الفلسطينية الشامخة والتي تأخذ حيزا كبيرا من حجم اللوحة (الكبيرة الحجم)، كما أضاف العناصر الفلسطينية المختلفة، سواء الواقعية، مثل شجر الزيتون أو زهرة الحنون أو حتى بحر غزة، أو العناصر المكملة الأخرى، كبيوت القدس بقبابها المميزة والمروج التي تزدهي بمجموعة متنوعة من الألوان الخضراء، كل هذا بأسلوب شاعري رومانسي غني باللون والموضوع.
كما تطرق لتجربته المشتركة مع زوجته الفنانة رحاب صيدم ورسمهما للوحات مشتركة، وفي نفس الموضوع، حيث ترسم الفنانة رحاب المرأة الفلسطينية ويرسم السيد الخلفية، في تكامل لوني غنائي، يقدمان من خلاله تجربة فنية غنية، من ناحية الموضوع والأسلوب.
رصد وساهم وجمعها في كتاب
لقد كان لوجود الفنان د. عبد الكريم السيد على مدى أربعين سنة في الشارقة ما يجعله شاهداً ومساهماً في تشكل الحركة الفنية فيها كما جاء في سيرته الذاتية، فقد شهد ولادة جمعية الإمارات للفنون التشكيلية وكان عضواً مؤسساً فيها، وشارك في معظم أنشطتها الفنية، وأشرف ومن خلال عمله مدرّساً لمواد الألوان المائية والتذوّق الفني وتاريخ الفن في معهد الشارقة للفنون، على توجيه أعمال الفنانين الشباب، وأقام في عام 1993 معرضاً فنياً بالألوان المائية بعنوان “رسالة حب إلى الشارقة” اعترافاً بما قدمته له الإمارات من فرصة مواتية لممارسة عمله الفني، كما أسهم أيضاً في تلك الحركة بالكتابة النقدية المتواصلة عن الفن والفنانين في الإمارات موجهاً ومقوماً تجارب الكثير من الشباب.
وقد جمع معظم تلك الكتابات في كتابه الصادر حديثاً عن دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة بعنوان “رواد التشكيل في دولة الإمارات”، رصد فيه تجارب التشكيل الأولى في الإمارات وأصحاب هذه التجارب فرسم صورة موسعة لهذه الحركة، وقدّم تفاصيل مهمة عن نشأتها، حيث بدأت بإشهار جمعية الإمارات للفنون التشكيلية عام 1980م لتكون الإطار الذي يجمع الفنانين التشكيليين من أبناء الدولة والفنانين الوافدين من الدول العربية، وكانت المرحلة الأولى هي المرحلة التسجيلية الفوتوغرافية التقليدية، ثم جاء في المرحلة الثانية فنانون ابتعدوا بأعمالهم عن الاتجاه التقليدي، وركّزوا على مضمون العمل الفني بغض النظر عن الأسلوب الذي نفذ به، وظهرت خلال السنوات القليلة الماضية مجموعة صغيرة من تلاميذ الفنان حسن الشريف مهتمة بفنون ما بعد الحداثة، وقسم التجارب الفنية إلى مجموعات فنية كبيرة حسب المناطق التي يوجد فيها الفنانون راسماً صورة لكل مجموعة وتجاربها الفنية، مما يلقي الضوء على التنوّع الفني وانتشاره في مناطق عدة من الدولة.
وفاء لشريكة العمر والغربة
«مجموعة حبيبتي رحاب»، والتي بين فيها ربيع فلسطين المقبل، بالمرأة الفلسطينية الشامخة والتي تأخذ حيزاً كبيراً من حجم اللوحة (الكبيرة الحجم).
وأضاف السيد، العناصر الفلسطينية المختلفة، سواء الواقعية، مثل شجر الزيتون أو زهرة الحنون أو حتى بحر غزة، أو العناصر المكملة الأخرى، كبيوت القدس بقبابها المميزة والمروّج التي تزدهي بمجموعة متنوّعة من الألوان الخضراء، كل هذا بأسلوب شاعري رومانسي غني باللون والموضوع.
monif.art@msn.com