إذا كانت الضرورة المنهجية تقتضي إعلاء وتيرة النقد واستبعاد القداسة للأشخاص وعدم منح العصمة لآراء الرجال أو التعاطي معها بوصفها أحكاماً حاسمة تتعالى على الجدل فإن الضرورة المنهجية تقرر أيضا وبالقدر ذاته ضرورة ضبط المقاربة النقدية وتأصيل حركة السياق الجدلي منهجيا وترشيد حركة تدافعه وحمايته من الأطروحات المتطفلة التي لا تنطلق في نقدها من منطلقات معرفية بقدر ما هي منبعثة من مشاعر مفعمة بالوجدان على نحو يجعلها لا تنتمي إلى دائرة الفعل المعرفي بأي حال من الأحوال.
مقاربة الاختيارات الفقهية وتسليط أضواء النقد عليها لتمحيصها ليس مطلبا فحسب بل هو ضرورة لمن يملك الأدوات المؤهلة لذلك فهذا من شأنه أن يضخ مادة تثري الفقه وتوسع في روافده ولكن الإشكال كل الإشكال يكمن في ذلك النقد المفتقر للعلمية كما في كثير من الأطروحات ومن المعلوم أن الجرأة في النقد كقيمة مستقلة غيركافية إذا لم تكن تلك الجرأة مقترنة ببعد معرفي مدلل يتوفر على الانضباط المرجعي الممنهج من جهة وعلى الانفتاح المعلوماتي المتزن من جهة أخرى.
أما الجرأة المجردة والمعزولة عن المعرفة فهي ليست إلا سلوكا مأفونا يعكس قدرا من الاستخفاف بالعلم ويشوه جماليات التدافع.
ليس ثمة كهنوتية في الإسلام وبوسع كل فرد أن يطرح انتقاده وينطلق في سرد ملحوظاته إذا كان ذلك يتم بطريقة علمية ومنهجية مؤصلة وبتوازن واعتدال وموضوعيةٍ تتوارى معها المشاعر الوجدانية فهنا ليس أمامك إلا أن تُكبِر علميته وأن تبدي قدرا عاليا من التقبل – القبول وعدمه يتحدد على إثر ذلك - لهذا الطرح وتَفَهم دوافعه بوصفه فعلا ثقافيا يسهم في تحريك الراكد وإثارة الأسئلة وإثراء الحراك وإعلاء وتيرة التدافع الثقافي, لكن وبالقدر ذاته أيضا يتملكك قدر كبير من الاستهجان لذلك الطرح الفاقد للعلمية والذي يتحرك بأسلوب ذاتي محض لا لشيء إلا لمجرد الرغبة في خطف الأضواء والذي أحيانا لا يتم إلا عبر مناكفة الخصوم ومشاغبة الخطاب الفقهي على نحو لا ينم إلا عن أطروحات غير بريئة ولا تؤسس إلا لنوع من الطرح الرغبوي المستفز الذي لايراعي في بديهيات المعرفة إلاً ولا ذمة!.
- بريدة Abdalla_2015@hotmail.com