Saturday 07/12/2013 Issue 420 السبت 3 ,صفر 1435 العدد
07/12/2013

بحوثنا العلمية .. الهموم والتطلعات (1)

تعاني غالب البحوث العلمية من الضعف الشديد، أما البحوث الجادة الرصينة فنادرة لا تكاد توجد، ولا يدرك هذه الحقيقة سوى الأكاديمي القريب من واقع البحوث العلمية، حيث يعي حجم هذه المشكلة، ويرى ضعف ما يقدم من بحوث في قسمه الذي ينتسب إليه، ويشاهد قلة الرصيد المعرفي لطلاب اليوم، مع أنهم يقدمون بحوثا ينالون بها درجات علمية عالية، غير أن من يطلع على ما فيها يرى الخواء المعرفي، وتكرار الكلام، وكثرة النقول، وقلة الأمانة العلمية، وانعدام الجديد المبتكر، وقلة المصادر وعدم تنوعها، والاعتماد على عدد محدود من المصادر في تقديم مادته العلمية، إضافة إلى ما فيها من مخالفات علمية وانحرافات منهجية، وعدم ترتيب للأفكار وغيرها من العيوب التي تقدح في جودة البحث العلمي وتؤدي إلى ظهوره بصورة ضعيفة هزيلة، لا يستحق معها الباحث أن يناقش فيها أصلا فضلا عن أن ينال بها درجة علمية!

وأعتقد أن من أهم أسباب هذه الظاهرة يعود إلى التأسيس العلمي للباحثين، فالطالب حين يكون في المرحلة الجامعية (البكالوريوس) ينبغي أن يؤسس على أهمية البحث العلمي، وأن يحرص الأساتذة المختصون على ألا يتخرج الطالب من الجامعة حتى يتقن أساسات البحث وأصوله، وكيفية الرجوع إلى المصادر والمراجع وطريقة الإفادة منها، ويزرع في نفسه الحرص على الأمانة العلمية في إعداد البحوث، وأن يعي تماما أن تقديم الجديد وظهور الشخصية وجودة المناقشة وحسن الاستنباط وجمال الأسلوب وسلامة اللغة والحرص على التوثيق.. كل تلك الأمور لا يمكن أن يتنازل عنها في إعداد البحث العلمي، غير أن الواقع المؤسف أن كثيراً من الأساتذة لا يهتمون بهذه المرحلة، ويظنون أن الطالب الجامعي يمكن أن يقبل منه أي شيء دون أن يبذلوا جهداً في تقويم ما يقدمه من بحوث، بل إن بعضهم لا يكلف نفسه عناء المناقشة، وهذا يزرع في نفس الطالب الاستخفاف بالبحث وبمناقشته، ويستمر هذا الشعور معه حين يلتحق بالدراسات العليا.

إنني أحمل الأساتذة الأكاديميين المسؤولية الكاملة في هذا الضعف الذي لا يخفى على القريبين من حقل البحث العلمي، خاصة أولئك الذين يدرسون المقررات الخاصة بكيفية كتابة البحث على المستوى النظري، أو أولئك الذين يشرفون على البحوث التطبيقية التي تقرر على طلاب البكالوريوس، ويقصد منها التدريب على كتابة البحث والالتزام بمناهجه وعناصره المتعارف عليها، حيث ينبغي أن تعطى هذه المقررات النصيب الأوفر والأوفى من الاهتمام، وأن تسخر لها كل الإمكانات المتاحة، وأن يدرك الأستاذ الذي يدرس هذه المقررات أن المهمة الملقاة على عاتقه كبيرة، وأن يضع في ذهنه أنه يصنع بدءا من الآن باحثين جادين، يعرفون قيمة البحث العلمي، ويعون أنه يسهم بذلك في تقدم مسيرة البحث العلمي في هذا الوطن، وهو سبيل من سبل ارتقاء المجتمع وتطور الحضارة، وأجزم أنه لو وضع كل أستاذ نصب عينيه هذه المعاني والدلالات لن يدخر جهدا في تدريسه هذه المقررات المهمة، ولأخلص أعظم إخلاص في تعليمه وإشرافه وتوجيهه ومناقشته.

إنه لمن المؤسف حقا أن يتخرج الطالب من الجامعة وهو لا يعرف كيف يعد بحثاً علمياً، بل إنَّ بعضهم لا يعرف بدهيات في هذا المجال، حيث إني شهدت على بعضهم وهو لا يعلم أن البحث لا بد له من غلاف يحمل اسمه واسم المشرف وغيرها من المعلومات اللازمة، ورأيت بعضهم الآخر لا يعرفون شيئا عن العناصر التي لا بد أن تشتمل عليها المقدمة والخاتمة، واعترف لي آخرون أنهم لم يتعلموا كيف يوثقون من المصادر ولا كيف يرتبونها، وغيرها من القضايا المنهجية الرئيسة التي لا يمكن أن تخفى على الطالب الجامعي، مما يدعوني إلى التساؤل: كيف تجاوز هؤلاء الطلاب مقررات البحوث النظرية والتطبيقية في المرحلة الجامعية؟ وهل كان يشرف عليهم الأساتذة فعلاً؟ والمصيبة العظمى هي حين ترى هؤلاء على مقاعد الدراسات العليا!

- الرياض Omar1401@gmail.com