هكذا ابتدأت الرواية .. عائلة مفككة بسبب زواج الأب القاسي من امرأة أخرى وزواج والدته من رجل آخر (إخوة لا يتحدّثون كثيراً وحب فاشل بسبب معتقدات اجتماعية) حيوان القندس كان هو أساس الرواية بامتياز، وكعادتنا نحن البشر ننسب أسوأ صفاتنا إلى الحيوان بصفته هو الأقل شأناً.. القندس مهندس السدود هذا المعماري الرائع الذي وهبه الله مهارة بناء السدود وتجميع الأغصان فوق بعضها البعض لبناء منزل له ليحميه..
لكن غالب بطل الرواية كان يحتاج السدود لشيء آخر أهم وأعمق.. وهي حماية روح بشرية من تطفُّل الآخرين عليها (غالب رجل في الـ46 لم يتزوج كأقرانه يعاني من علل نفسية وحب فاشل حمله معه طوال سنينه).
سيلاحظ القندس أن عائلتي بكماء في ما بينها، ثرثارة في محافل الآخرين، «وخرجت إلى سيارتي وأنا أفكر بالدعوات المتتابعة التي يرفعها أبي وأمي عليّ منذ ست وأربعين سنة حتى الآن».
برأيي استطاع علوان الشاب أن يتقمّص مشاعر رجل في نهاية الأربعين ببراعة.. وذلك اتضح في كمية الحكمة التي تضج بها الرواية وبرأيي أن الحكمة كانت واجبة وأساساً لنجاح الرواية، وذلك أيضاً سلّط الضوء على نضوج علوان الكاتب الذي أبهرنا بسقف الكفاية بعمر صغير..
«لا تجلس أمام الأنهار التي تجري.. فيجري معها العمر».
«إذا بلغنا الستين ولم نصبح حكماء وجميلين، فهذا يعني أننا لن نكون كذلك في السبعين والثمانين».
مرّة أخرى يتجّلى غضب علوان على الرياض.. وحمّل مشاعر بطل الرواية غالب شيئاً من العتب عليها «لا أحد يسافر دون أسباب».
«الدفاع عن حقائبي وتذاكري يكلفني الكثير من الألم في الرياض».
«هم لا يتحملون رؤية قندس عارٍ دون سدّ».
الحب..
الحب كان حاضراً بقوة في رواية القندس لكنه حب مشوّه ومعتل كغالب بطل الرواية، لم يكتمل بسبب أسباب اجتماعية لكنه استمر لمدة عشرين عاماً بالخفاء.. استمر ليس حباً ولكنه شيء من التعوّد وكأن العمر لم يسعفه ليبدأ حباً جديداً ويعيش تفاصيله من البداية فالقنادس تحب بطريقة مختلفة، ولا ترقص إلاّ إذا اكتمل السدّ وسدّه لم يكتمل «القندس يجب ألا ينشغل بهذه الأمور وإلاّ نام في العراء بقيّة عمره».
«دائماً هناك امرأة كافية لبعض الوقت».
الواضح في القندس هو النضج الروائي لعلوان، نضج فكري ولغوي وبدأ أكثر حكمة..
لن تخرج من هذه الرواية دون أن تأخذ شيئاً أو ستأخذك هي على أقلّ تقدير وحتماً ستكتشف ولو صفة واحدة تؤهلك أن تكون قندساً..
مخرج...
«القندس الذي يبلغ عمري دون أن يكون عنده سدّ وقنادس صغيرة موعود بالكآبة والنبذ».