رغم أن الحوارات القادمة ملك لأصحابها، إلا أنني قمت بما لم أعتد القيام به ما إن وقع أولاها في يدي! وكأن هوسي القديم بالاقتباسات ظهر بقوة موجهاً ومحرضاً إياي على جمع الأوراق المبعثرة عبر البحث في أفكار خطها كتًاب لم يجمعهم لقاء! وبهذا آمنت باللعبة وبأن عبارة لأدونيس قد تكتمل بعبارة لسلمان العودة!
ومن هذه الاقتباسات وبها تجسد أمامي حواراً كاملاً بقوته،ضعفه،صخبه،بروده،فلسفته وربما بسذاجته أيضاً. ولكن من المهم أن أؤكد أن اللعبة هي المذنبة ولست أنا إن كان رد أحدهم على الآخر قاسياً أو ساخراً أو غيره، هو جنون البحث عن الأجوبة من صنع حواراً لا أملك حتى الحق في تصنيفه، ومن يملك ؟ لذلك عنونت نصي هذا بإنني أكذب ؛ كي أزيل عن كاهلي عبء المزيد من الشرح لما سأقترفه هنا من اختلاق لسين وجيم وياء، رغم أن كل ما بين قوسين حقيقة ورغم أن خارج القوسين حقيقة أخرى.
* أشعل حسين البرغوثي فتيل البحث عن رد ما عندما قال: «أنا إنسان بسيط جدًا يساءُ دائمًا فهمه» ولم أطل البحث حتى تربع أمامي زياد الرحباني (لم أتبين من ملامح وجهه إن كان جاداً أم ساخراً): «البسيط متى عرف أنه بسيط لم يعدْ بسيطا الإنسانُ متى عرف الحقائق سقط عن سرير الأحلام».
)وفيم كنت أبحث عن مهرب عندما قال درويش: «لا أحنُّ إلى أي شيء فلا أمس يمضي ولا الغد يأتي ولا حاضري يتقدَّم لا شيء يحدث لي! ليتني حجر» أسرّ لي وديع سعادة وعينيه على قلب درويش: «في عيونه غيوم ويحدّق في الأرض علَّها تمطر «!
كان عبدالله ثابت يتمتم بصوت تائه: «يموت الشعراء! يذهبون واحداً واحداً دون أن يخبرونا ما هو الشعر، دون أن يخرجوا من صدورهم الورقة الأخيرة التي تركوا فيها السر، وكيف كانوا يقولون الكلام، وما هو ذاك الإشعاع الحار الذي يلون الكلمات ويضيئها كما تفعل الكهرباء!» ورغم أن صوت عبدالله ثابت الذي يوحي لك بأن لا إجابة إلا الربت على كتفه،إلا أن غازي القصيبي قال بحدة توقظ الحالمين بيقظتهم: «إذا أخبرك أحد أن الشعراء قوم طبيعيون فكذّبه وأنت مطمئن».
* في المقهى ذاته وبتوقيتهما المعهود أسند عبدالرحمن منيف الجانب الأيسر من جبينه على قبضته وقال: «على الإنسان أن يتعوّد.
يجب أن يتعوّد على كُل شيء: البرد، الوحدة، الضجر، وتراءت له كلمة هزيمة كاد يقولها، لكنْ غصّة أقربُ إلى يدٍ ثقيلة حزّت رقبته.
« صوت متسلل رد عليه من المقعد وكمن يفكر بصوت عال قال عبده خال: «الهزائمُ -يامنيف- متشابهة المذاق: هزيمة الحب، هزيمة الحرب، هزيمة الذات، هزيمة الوجود.
كل الهزائم متشابهة، كبرت أم صغرت، لها المذاق نفسه وتعبر النفق نفسه، مخلفةً طعمها المُرّ وباذرةً أساها وحالةً من الاستدراكات لا طائل منها..
استدراكات تلوم االنّفس المنهزمة، ولا تقيها من الانغماس في حسراتها.
* خجلي من أن أعترف بتلصصي على حديث بين قاسم الطيب صالح وجبران عندما قال الأول: «سأحيا لأن ثمة أناس قليلين أحب أن أبقى معهم أطول وقت ممكن ولأن عليّ واجبات يجب أن أؤديها ,لا يعنيني إن كان للحياة معنى او لم يكن لها معنى وأن كنت لا أستطيع أن أغفر فسأحاول أن أنسى» فجاء حديث جبران قاطعاً: «لا تجالس أنصاف العشاق - يا صالح - ولا تصادق أنصاف الأصدقاء، لا تقرأ لأنصاف الموهوبين،لا تعش نصف حياة، ولا تمت نصف موت،لا تختر نصف حل، ولا تقف في منتصف الحقيقة، لا تحلم نصف حلم، ولا تتعلق بنصف أمل»)عبر بحثي العشوائي استمتعت جداً مع البرغوثي وابن الرحابنة، درويش وسعادة، ثابت والقصيبي،عبدالرحمن منيف وعبده خال، الطيب صالح وجبران، استمتعت بجنون ألا زمان ولا مكان و بلذة الكذب المعلن والحقيقة المعلنة أيضاً. إلا أن جزءً مني كان يسخر مني: نصك أشبه بلعبة أطفال.
وقبل أن أرد على نفسي! رد عني وديع سعادة: «نتسلّق ضحكاتنا لأنّ صراخنا شاهقُ جدًا» جداً.
kimmortality@gmail. com
- بريطانيا