Culture Magazine Saturday  05/10/2013 G Issue 414
قراءات
السبت 29 ,ذو القعدة 1434   العدد  414
 
نقد النقد.. وتنظير النقد العربي المعاصر (2)
د. عمر بن عبدالعزيز المحمود

 

ويعتمد المؤلف على مجموعة من المبادئ العملية والإجراءات، تكفل توصيف الخطابات دون تفسيرها، أو جعلها علامات على نوايا وخلفيات، أو مجرد أفكار؛ إذ تكون هذه المبادئ محققة ومنظمة ومقتنصة للعناصر الفاعلة في خطابات (نقد النقد) و(التنظير النقدي)، وتتمكن من تعيين حدود للنقد بوصفه موضوع معرفة، كما تتمكن من اقتراح مفهوم للنقد، ونموذج لـ(نقد النقد) و(التنظير النقدي).

ويلخص الدغمومي هذه المبادئ في مفاهيم (البناء) و(الاستراتيجية) و(الإنتاجية) و(الملاءمة) و(الاستدلال)، وإيثار هذه المفاهيم بسبب قدرتها على إنتاج معرفة قابلة للفهم والإدراك، وتحقيق المقبولية عندما تستطيع المعرفة المنتجة الصمود أمام الاختبار الأول ولو في حدود نسبية، كما يتضح اختيار هذه المبادئ في كونها تساعد على الاهتمام بخطابات كثيرة دون تقويم مسبق أو تصنيف جاهز، وتسهم في قراءة متن واسع جداً فرض نفسه، وصرف النظر عن كثير من الخطابات التي تنتسب إلى النقد، حتى لو كانت منسوبة لمشاهير النقاد.

وقد مهدت الدراسة بعتبة تطرقت إلى ثلاثة مفاهيم كبرى، هي: مفهوم (النقد الأدبي)، ومفهوم (نقد النقد)، ومفهوم (التنظير النقدي). أما بناؤها فقد اعتمد على ثلاثة أقسام، كان الأول منها محاولة تحليلية لطبيعة متن (نقد النقد) و(التنظير النقدي)، والمرجعيات التي تقف وراء ذلك. أما الثاني فقد كان خاصاً باستجلاء المفاهيم المؤطرة لمتن (نقد النقد) و(التنظير النقدي) التي ينبني عليها وجوده في المعرفة. أما الثالث فكانت فصوله تتحدث حول الموضوع الذي يشتغل عليه (نقد النقد) و(التنظير النقدي)، ويؤسس عليه نظامه.

لقد أبانت هذه الدراسة القيمة عن أن النقد الأدبي المعاصر في وضع إشكالي مضاعف، أساسه طبيعة النقد الأصيلة التي حللها المؤلف في تمهيدها؛ إذ يأبى هذا النقد أن يتوافق مع خصوصية النص الأدبي، بل يتعالى عليه موضوعياً حين يتكل على مرجعيات جاهزة تتضمن نماذج من الأدب الغربي، ثم إنه لا يستنبت مبادئه وقواعده من شرط الأدب العربي، لكنه يمارس وصاية ما عليه، إضافة إلى أن علاقته بجذوره التراثية المفترضة واهية، أقرب ما تكون إلى القطيعة؛ إذ يرسم تحولات سريعة غير مبررة بتحول إنتاج الأدب وتبدله دون الثقافة والأنظمة المعرفية.

كما كشفت هذه الدراسة عن أن هذه الظواهر تطبع أيضاً وضع (نقد النقد) و(التنظير النقدي)، وما يمكن أن يصدق على النقد يصدق عليهما، خاصة أن الخطابات التي تنتمي إليهما خطابات تقدم نفسها بوصفها خطابات نقد أيضاً، وتنتسب إلى فئة تنتج (النقد) و(التنظير) معاً.

ثم إن ما يغلب على (نقد النقد) و(التنظير النقدي) هو السؤال الأيديولوجي؛ إذ يصبح الخطاب موجَّهاً من خارجه، سواء من موقع الناقد المنظِّر في فعل (التثاقف)، أو من موقعه في المؤسسة التي لها حاجة إلى النقد أو صلة بإنتاج الثقافة الأدبية؛ إذ يترجم المنتسبون إليها واقعاً يحتلون فيه عملاً وظيفياً، غير أن تلك المؤسسات لم تكتمل لها شروط المؤسسة والهوية؛ ما يجعلها تتداخل، ويلتبس بعضها ببعض؛ إذ يكون معها الناقد أو المنظِّر متعدد الأدوار كثير التحولات؛ ولعل هذا ما يفسر اتسام الفكر النقدي المتجسِّد في (النقد الأدبي) و(نقد النقد) و(التنظير) بالتنكر لنفسه، وأنه مأزوم أو غائب، كما يفسر ذلك كونه عصياً على التوصيف والتصنيف.

كما أكد هذا المشروع أن دينامية خطاب (النقد) وخطاب (نقد النقد) هي دينامية ثقافية وأيديولوجية، غير أنها لم ترقَ إلى أن تكون عامة في بحث الأدب أو في الفكر والعلوم الإنسانية، وهذا يعني في النهاية أن الجدل القائم في حقل (النقد الأدبي) و(نقد النقد) و(التنظير) جدل ثقافي، يتخذ أحياناً مظهراً من العنف المعبر عن سجال موجَّه ذاتياً أو أيديولوجياً، ويعجز عن اقتراح بدائل أصلية تتسم بالإقناع والقبول والفاعلية.

ويشير المؤلف في نهاية كتابه إلى أن هذا العمل لا يطمح إلى أكثر من أن يكون موضع جدل ونقاش، وما يقدمه من آراء واقتراحات وإن بدت متعسفة أحياناً فلها الحق في أن تعبِّر عن نفسها في سياق قلَّ فيه الحوار وفهم الاختلاف، كما يؤكد أن ما استخلصه من نتائج تظل نسبية في مجال مطبوع بالاختلاف والتعدد، ولا يستطيع أن يتخلى عن موضوعه الإشكالي المرتبط بنشاط الإنسان الذي يتحرك فيه بحثاً عن الممكن، كارهاً لأن يتنازل عن حرية الابتكار والتغير والبحث، متنقلاً بين حدود متداخلة هي حدود (المعرفة) و(العلم) و(الأيديولوجيا) في حياة لا تعترف بهذه الحدود وإن اقتنع بها الفكر. وقد حوت قائمة المصادر لهذه الدراسة عدداً كبيراً من الكتب والمؤلفات النقدية الحديثة باللغتين العربية والإنجليزية، لا غنى لدارس النقد الحديث عنها.

معلومات الكتاب:

نقد النقد وتنظير النقد العربي المعاصر، د. محمد الدغمومي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء، الطبعة الأولى، 1420هـ/ 1999م.

omar1401@gmail.com - الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة