حول قضية الأدب الإسلامي: التجريح والأمن الفكري
|
إن من يتابع الجهود التي تقوم بها بلادنا الكريمة المملكة العربية السعودية حماها الله لتعميق الأمن الفكري في ذهن وقلب الإنسان المسلم والعربي بعامة والسعودي بخاصة يشعر بحجم الهمّ الفكري والهِمة العملية اللذين يكمنان وراء تلك الجهود، لا سيما بعدما شهدته المملكة من أحداث إرهابية مؤلمة؛ إذ شهدنا كيف حرص سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود رعاه الله على المشاركة فيما يقام من مؤتمرات وندوات تسعى إلى توعية الفئة التي وثقت فيها الدولة، وأسمتها (مثقفة)؛ لتكون الساعد الأيمن في التصدي لأي اتجاه ظاهر أو خفي يسعى لزرع القلاقل ونشرها.. هذا إلى جانب كلماته المؤثرة التي تطرق أبواب النفس، فتدعو الغافلة لليقظة، وتبشر الخائفة بأمن الله وسِلمه.
كما لا ننسى الإشارة بل والإشادة بما دعا إليه سمو وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود رعاه الله من مشاركة وإسهام المثقفين والأكاديميين الفاعلة، كل بما يوفقه الله تعالى إليه؛ لأن لهم نصيبهم من الإسهام المنهجي الذي لا تستغني وزارة الداخلية عنه في الحفاظ على الاستقرار الأمني؛ فهو القائل: يجب علينا (أن نحس بالمسؤولية، فالمسؤولية لا تقع على رجال الأمن فقط، بل على رجال الفكر أيضا؛ فنحن أمة ذات عقيدة).
يجب علينا أن نُحسن توظيف وعينا الأمني في بناء لبنات وقائية لنا وللمواطنين الآخرين الذين يستقون منا بعض الأفكار استقاء المستيقن، بعيداً عن أن نُسيء التوظيف من خلال رمي التهم، وتوسيع السخريات، وتمييز البشر إلى فئات لا تجتمع بسلام، وتجاهل وإقصاء ومصادرة لما لا يعجبنا؛ لأهداف تُرضي الشخص الذي يكتب، أو يُوجِّه، أو يتحدث، دون مراعاة الأبعاد التي تنتجها بصورة تسيء إلى وطن ذي إحسان، أو مؤسسة أوجدها ولاة الأمر لتفعيل وتحقيق مبدأ الإحسان الذي أخذه الله عز وجل على نفسه، فصار حريًّا بالخليقة أن يتعاملوا به وينطلقوا منه. إن الميزة التي تغلب على خطاب القيادة السعودية الأمني هي ميزة (الأمة)، بعيدا عن أي حزبيات قومية لم يجن منها العرب شيئا في سابق العهود، إن لم تكن سببا لنزاعات وإشكالات حلّت محل الحلول التي كانوا يرجونها.
انطلاقا من هذا الوعي الأمني الذي يشمل أصناف الفعل والقول، وانطلاقا من تقدير اتجاه (جريدة الجزيرة) إلى فتح أبوابها لمختلف الآراء والمشارب بما يحقق موازنة تعطي للقارئ فرصة الاطلاع على أغلب تحركات التفكير الحية، يجيء إلماحي إلى كتابة الأخ: عبد الله السمطي في المجلة الثقافية في جزأين؛ الأول تحت عنوان: (20 عاما على تأسيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية (12) إشكاليات منهجية.. وتصورات لا تقطع بين الواقعي والمثالي.. وتأسيس على مقولات خاطئة) يوم الاثنين 11رمضان 1425، ص1213، والثاني تحت عنوان: (20 عاما على تأسيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية (22) التصور الإسلامي يختلف من ثقافة لأخرى ونظريات الأدب لا بد أن تشير للآخر الغربي) يوم الاثنين 9 شوال 1425هـ.. والإلماح ليس لشخص الكاتب؛ فالأشخاص ليسوا محل التقويم هنا إنما الذي تتجه المقالة إلى معالجته هو الأسلوب الذي يشيع في هذه الفترة من اتخاذ السخرية وسيلة وذريعة لما يُوصف بأنه (نقد)، يُزعَم أن هدفه هو (الإصلاح)؛ علما بأن الأهداف إن اتحدت في المفهوم فإنها تختلف في المعنى.
بالنسبة للمقالين الصحفيين هناك بعض الملاحظات الكلية عليهما؛ فالكتابة لها ثغراتها التي يبدو أن الحماسة للرأي الشخصي، قد حملاهُ على ذلك؛ وهي كالآتي:
1الأدب والنقد لا يمكن أن يُفصلا عن سياق الأمن الفكري، إن لم يكونا أهم ما فيه بالدرجة الأولى؛ فالكتابة الأدبية مؤثرة وقائدة للقارئ، والكتابة النقدية مثل ذلك، ومن هنا فهما مسؤولتان عن الإسهام في تحقيق الأمن الفكري الداخلي، والعكس بالعكس.
2 اجتزاء تاريخ رابطة الأدب الإسلامي العالمية التي يقع مقر المكتب العربي لها في عاصمة المملكة العربية السعودية، مما يجعل الأمر أكبر من عدم الاقتناع باتجاه رابطة أدبية، وإنما يخرج إلى أن يكون ضد رابطة الأدب الإسلامي من خلال وصفها بصفات فيها التكتّل والاحتشاد، وكره الغرب أو غير المسلمين (كأشخاص، وليس كأفعال نكره أن تصدر عن أي إنسان!) والسذاجة والأهداف التدميرية بما لا يختلف عن صورة المسلم والعربي في الثقافة الغربية الاستشراقية المتشددة!
هذه أبعاد يأسى الإنسان لتسخيرها فيما يُوصف بأنه (نقد) أو (حوار) أو (دعوة إصلاح)؛ لأنها تُزعزع وتُشكّك القارئ البسيط الذي يعتقد بصحة المكتوب دون أي تأمل دقيق فيه، وفي أفكاره وجُمَله التي تُضمّ إما تلفيقا ادّعائيا، وإما انسجاما
منطقيا واقعيا. بالتالي كأن كاتب المقال ينسف الجهود، وبخاصة ما جاء في الملتقى الأول للمثقفين السعوديين الذي عمّق فيه أمير منطقة الرياض، صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود رعاه الله مسؤولية المثقف (الأديب، الناقد، المعلِّم الأكاديمي، القارئ، الناشر،...).
إن لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود رعاه الله كلمة أطلقها بثقة وفخر مشيدا بالأدب الإسلامي، ودوره البناء، ودور المملكة في احتوائه؛ يقول: (المملكة العربية السعودية، وهي ذات الرسالة الخيِّرة، يسرّها أن تكون مُنطلَقا للأدب الإسلامي ذي التأثير المحمود).
هذه هي كلمة السياسي المحنّك، قائد التطوير المنهجي التعليمي والخبير بدقائق الأبعاد التي توظف حكومة خادم الحرمين الشريفين الأدب لخدمتها. والكلمة لا تنفي وجود أدب آخر يصدر من مسلمين يؤثر تأثيرا غير محمود بسبب المضمون غير المحمود فيه. أما ما يتعلّق بتسيير العمل النقدي لمعنى العمل الأدبي وتأثيره استنتاجا من ذهن الناقد؛ فشأن ذلك عائد للناقد، ومسؤوليته عليه، وإليه تعود نتائجها. إن لنا الفخر أن نؤسس معالجات وحلولا بعيدا عن أن نتخذ أسلوب الشكاية المحرومة من المعالجة، بما لا ينصرف إلا إلى زيادة جراح الأمة، وزيادة المداخل التي يبحث عنها هواة الاتهام والإفساد والاعتداء.
3 إن العرب والمسلمين بحاجة إلى كتابات تعلمهم الثقة في النفس، في الإبداع، في أن الاعتراف بفضل المسلم والعربي الآخر إلى جانب الغربي وغير المسلم من صميم عقيدتنا وتفكيرنا الإسلامي؛ فالكل في كفة واحدة تنتج الأفكار، وتقترح، وعلينا أن نفهمها كما أرادها أصحابها دون أن نشوهها ونقتطعها من سياقاتها لتقول ما نريد أن نقول للقارئ إنهم يقولونه. وإذا تحقق الفهم الصحيح فلنا أن نأخذ ولنا أن نرد. لكن بالحسنى وبأدبيات الخطاب والحوار الحقيقي الذي لا يخرج إلى التجريح والسخرية التي باتت عصب كثير من الكتابات التي تهمز وتلمز؛ ظنا بأن هذه هي الحرية الإعلامية، وهذا هو أسلوب الحرية، وهذا هو هدف الحرية في طرح الأفكار والآراء!.
4 الدخول في الشأن الأكاديمي من منطلقات غير أكاديمية؛ فعندما آتي للتعبير عن رفض منهج ما، وليكن (منهج الرابطة في شروط الانضمام لها)، وأرفض ذلك بحجة أنه تقييد ما أنزل الله تعالى به من سلطان وأنه لم يحدث أن سبقت النظرية التطبيق كما في مقالَي الكاتب فإن الإنسان يجب أن يعي وجود شيء يُسمَّى (المنهج)، وشيء يُسمَّى (المذهب)، وبينهما فوارق كبيرة، وما لدى الرابطة منهج؛ أي طريقة كتابة أدب وطريقة كتابة نقد، وليس مذهبا يخترع له الفلاسفة الأصول النظرية (الإسلامية أو غير الإسلامية)، ويأتي النقاد لتأسيس قواعد التنفيذ الأدبي، ثم يأتي الأدباء للتطبيق.
هذه الخطوات في المذهب إن احتيج إلى إقامته في قضية ما ليست طردية دائما، فقد يتقدم التنظير على التطبيق إن كان إيجاده يهدف لحل مشكلة حالية، وقد يتأخر التنظير عن التطبيق إذا كان الأمر مراجعة لكتابات ماضية ومحاولة لكشف النظام الذي ساد فيها وحكم نظمها. إن المملكة العربية السعودية حين احتوت رابطة الأدب الإسلامي العالمية فعلت ذلك لأنها مجرد أرضية للانطلاق الأدبي في ضوء منهج التعبير الإسلامي. وهذا لا يمكن استيضاحه إلا بنفس تعرف رأيها الخاص وتعزله عند قراءة الرأي المخالف لها فتسعى لتحقيق العدل والإنصاف. لكن التفريط أو الإفراط، والتعميم غير المقيّد وإلغاء أدبية جميع أدباء منهج الأدب الإسلامي الذي ترعاه الرابطة أمر لا يقبله المنطق العلمي مثلما لو أننا غالينا ونفينا إبداعية أدباء ما سُمِّي ب(الحداثة) أو غيره من مسميات المذاهب الأدبية؛ فالعُمدة على مهارة القارئ؛ لأن العدم قد يكون منها، مثلما قد تكون حياة النص الأدبي منطلقة من القراءة النقدية الخلاقة التي تستطيع التمازج والتواصل الفعلي مع المكتوب، فتتعاون معه وتنتج نصا جديدا. وختاما يجب ألا نستخدم الحرية الإعلامية والمعارف التي نجمعها من هنا وهناك في تفعيل (سلبيات الفكر) التي حذر منها سمو وزير الداخلية أثناء حديثه عن دور رجال الفكر والثقافة في إرساء دعائم الأمن الفكري؛ فالإنسان كيان يتحرك بأوامر الأفكار التي تتحكم في ذلك العقل الذي إن عدمه الإنسان حكمة، وروية، وروحا جماعية، وعدلا ونَصفة، عدِم وسيلة تحقيق الأمن الأولى.
الجوهرة آل جهجاه
معيدة في قسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|