Culture Magazine Thursday  29/11/2012 G Issue 387
ترجمات
الخميس 15 ,محرم 1434   العدد  387
 
غورباتشوف في حوار نادر (2-2)
استنتجت أن الإصلاح الجاد ليس مسألة تغيير أشخاص بل تغيير نظام
د. حمد العيسى

 

كانت تلك هي الاستنتاجات التي أخذها معه إلى الكرملين عندما أصبح رئيساً للحزب الشيوعي عام 1985.. اليوم -يقول غورباتشوف- إنه يفضل (الديمقراطية الاجتماعية) أو(الديمقراطية الاشتراكية) بسبب قدرتها على (الجمع بين الرأسمالية.. والأولويات الاجتماعية)؛ لكنه لا يزال بعيداً عن شجب الرأسمالية، (إنها بمثابة تحفيز، ولديها إنجازات جادة، وينبغي ألا ترفض ببساطة).

في أعماقي -كما أظن- لا يزال غورباتشوف يحتفظ بشيء من اللينينية عندما كان زعيماً سوفيتياً، ولكنه يعترف أن علاقة لينين بالديمقراطية كانت معيبة: (أي -بعبارة ملطفة- إن الطريقة التي استولى بها على السلطة ليست ديمقراطية تماماً).. ولكن من بين مزايا لينين العظيمة من وجهة نظره، هي (الحكمة والحسم) الذي جعلته يعترف في وقت مبكر بأخطاء البلاشفة ويغيّر المسار.. (تخيلي، عندما قال في خضم تلك الأحداث الكبرى، وبينما كانت الأمور زائغة: لقد سرنا في المسار الخطأ، ويجب إعادة توجيه أنفسنا نحو الاشتراكية، هذا ما حاولت القيام به مع البيريسترويكا، وهذا هو المثال الذي اتبعته).

بالنسبة إلى غورباتشوف، من الواضح أن المعارك التي خاضها في السعي إلى تحقيق البريسترويكا والغلاسنوست -مع المحافظين في الحزب من جانب، ومع الزعيم الروسي الشعبوي الثرثار، بوريس يلتسين، من جانب آخر- تثير غضبه تقريباً حتى اليوم مثلما أثارته في أواخر الثمانينيات.. لا يستطيع أن يغفر ليلتسين، ليس رفضه العنيد للتسوية بينما كان الاتحاد السوفياتي ينهار فحسب، ولكن للفوضى التي، في رأيه، أطلقها الرئيس الروسي يلستين عندما استولى على السلطة: (الرأسمالية المتوحشة)، و(الخصخصة الفورية) اللتان أدتا إلى ما يسميه غورباتشوف بـ(نهب البلد).

ولكن غورباتشوف يلوم نفسه أيضاً بالنسبة إلى انهيار الاتحاد السوفياتي في النهاية، كما يقول، (كان ينبغي علينا أن نمنع ذلك)، وأعتقد أنه يعني بـ(نحن) فرقته الصغيرة من الإصلاحيين داخل الكرملين، ويمضي بمرارة: (ولكن في الغالب، ألوم نفسي حتى اليوم؛ لقد دعونا إلى إجراء انتخابات حرة، ونفذنا إصلاحات سياسية، وحاولنا إنشاء برلمان عصري.. ولكن الواقع كان أن الأيديولوجية الشيوعية لم تصمد أمام اختبار الديمقراطية والحرية).

نقد ذاتي من غورباتشوف، ربما، ولكن بعض الأحكام من قبل الغرباء تجرحه. قال (الناس تنتقد عدم حسمي للأمور. ولكن، بشكل عام، أعتقد أننا سرنا نحو الإصلاح بسرعة كبيرة).. إن بلداً له تاريخ مثل تاريخنا، كان يجب أن يتخذ مساراً تطورياً متدرجاً نحو الإصلاح.. لقد قلت إن (الإصلاحات ستحتاج 20 أو 30 سنة .. ولكن المشاعر كانت تحتدم وتغلي بينما كان الغلاسنوست والبريسترويكا ينتشران، وكانت المطالبات معظمها: أسرع أسرع لمواصلة التحول نحو الديمقراطية)، قالها وهو يضرب الطاولة.

فهل يتفق -إذاً- مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي وصف تفكك الاتحاد السوفياتي بأنه (واحد من أعظم الكوارث الجيوسياسية «الجيوبوليتيكية أي الجغرافية - السياسية» في القرن العشرين؟) يقول غورباتشوف: (حسناً، أعتقد أن لغته كانت متطرفة قليلاً، ولكن تدمير وتفكك الاتحاد السوفياتي هو بالتأكيد أمر يستحق المناقشة). ويضيف: (لم تكن إمبراطورية بالمعنى التقليدي، بل تطورت تدريجياً، وكانت هناك إنجازات حقيقية.. كان لدينا 20 في المئة من المسلمين، ومجتمعات متنوعة من الذين يعتنقون ديانات العالم كافة، لذلك لم يكن الأمر بهذه البساطة. ولكن كل ذلك الحديث عن الصداقة بين الشعوب لم يكن ثرثرة خاملة. لقد كان موجوداً بالفعل. واعتقدت أنه سيكون بمثابة رادع يمنع التفكك). غورباتشوف يعتبر زوال الإمبراطورية السوفياتية بأنه مصيبة كبرى.

ولذلك هل يشعر بخيبة أمل مع كيفية سير الأمور، خصوصاً بطء التقدم في تحديث روسيا؟ يجيب (كلا، ليس هذا ما يشعرني بخيبة الأمل). ويضيف: أشعر بخيبة أمل مع الطريقة التي تخلت فيها الإدارة التالية يلتسين عن التغيير التطوري المتدرج وإطلاقها العلاج بالصدمة ما أدى إلى تفكك كل شيء: هياكل الدولة والجيش والثقافة والطب والتعليم.. وكل شيء، وأصبح عدم الاستقرار المشكلة رقم واحد. روسيا -يعتقد غورباتشوف- لا تزال تكابد مخاض التحول الديمقراطي؛ وقال: هناك الكثير مما لم يحسم بعد، وهناك أخطاء حدثت.. أظن أننا في منتصف الطريق. ولم يبخل ببعض الثناء على فترة بوتين الرئاسية الأولى: أعتقد أن هذا كان فصلاً من تاريخنا الحديث ينبغي النظر إليه بشكل إيجابي للغاية. ولكن هناك مرارة: كان يجب أن يستغل الاستقرار الذي أسسه ليمضي قدماً على طريق التحول الديمقراطي.. ويواصل: ولكن بدلاً من ذلك، بدأوا يبحثون في تاريخ الأمم ونحن في مقدمتها.. لإثبات أن التحديث ينجح بصورة أفضل تحت الحكم المستبد، كالقياصرة والملوك وما شابه ذلك.. وهذا كان خطأ.

الآن فقط -يقول غورباتشوف- أقر بوتين أنه لا شيء يمكن القيام به من دون ديمقراطية.. (إذا تصرف وفقاً لذلك، فسوف يكون على الطريق الصحيح).. ولكن بوتين لا يفهم المشكلة جيداً لأنه لا يمكن تحديث الاقتصاد بمعزل عن الأمور الأخرى حيث يجب تحديث المجتمع عموماً.. وهذا صعب جداً، صعب جداً جداً القيام به.

وماذا عن الآن؟.. حسناً، الزعيم السوفياتي السابق له نشاطات في العديد من المجالات: البيئة؛ منتديات السياسة العالمية؛ مؤسسته السياسية الفكرية في موسكو، فضلاً على جمعية رايسا الخيرية، وحزب سياسي جديد هو (الحزب الروسي الديمقراطي المستقل)، التي أسسه بصورة مشتركة مع رجل الأعمال الروسي ألكسندر ليبيديف.. ويعتقد غورباتشوف أن الغرب لا يزال يرتكب أخطاء ليس مع توسع حلف شمال الأطلسي (النيتو) إلى حدود روسيا فحسب، ولكن مع إخفاقه، حتى الآن، في خلق نظام أمني عبر المحيط الأطلسي ليشمل روسيا.

ذكّرته أنه في خطبة استلامه جائزة نوبل للسلام، خلال الأيام العصيبة لعام 1991، وصف نفسه بأنه متفائل.. ألا يزال كذلك؟.. يجيب: بالطبع، ويواصل: وكيف كنت سأصبح إذاً سياسياً؟.. ويصر أيضاً أن شيئاً مهماً وحاسماً قد تحقق وسط الصراعات والانتكاسات التي حدثت في السنوات العشرين الماضية. في روسيا، وعبر شرق ووسط أوروبا، حصل الناس على حريتهم، والآن يجب أن يتعلموا كيفية التعامل معها. إنها ليست مهمة سهلة دائماً، يقول غورباتشوف، ولكن الجميع يقرر مصيره الآن.

انتهى الحوار مع غورباتشوف,,,

Hamad.aleisa@gmail.com المغرب

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة