Culture Magazine Thursday  29/11/2012 G Issue 387
قراءات
الخميس 15 ,محرم 1434   العدد  387
 
هذا الكتاب
قضية الردة في الفكر الإسلامي الحديث
لمياء السويلم

 

قضية الردة تبقى من أكثر القضايا حساسية في العالم الإسلامي، والقارئ العربي بالعموم والسعودي على الأخص الذي يبحث عن التثقف فيها - تحديدا بعد أشهر من استمرار اعتقال حمزة كشغري باسم الردة - سيجد أن المكتبة العربية تعاني فراغا كبيرا في هذا العنوان، لهذا يشكل كتاب آمال قرامي برفسور كلية الآداب والإنسانيات (قضية الردة في الفكر الإسلامي الحديث) دراسة مهمة في هذا الاتجاه، وهي دراسة منجزة ضمن نطاق أطروحة الكاتبة لنيل الدكتوراه، وتصدر عن دار الجنوب التونسية ضمن سلسلة معالم الحداثة في كتاب من القطع المتوسط.

تمهد الكاتبة لدراستها بأن البحث في إشكالية الردة لا يتعلق بنقاش ديني لا يهم إلا المؤمنين، وإنما هو موضوع يمس الإنسان بالعموم في علاقته بالسلطة والمجتمع، وبأن قضية الردة يستحيل معالجتها بمعزل عن الحقل السياسي، لأن غالب الدول العربية التي تنص قوانينها على حرية الديانة لا تطبق واقعيا، تنبه قرامي إلى أن الآراء حول حق تغيير المعتقد يتسم بالاضطراب نتيجة للازدواجية التي تحاصر المسلم المعاصر بين فكره وسلوكه، ونتيجة وقوعه تحت أسر ثنائية القانون / الفقه، وتتساءل هنا عن الخطاب الذي يهيمن على الجماعة، هل هو خطاب يستند إلى المرجعية الدينية أم خطاب دولة القانون؟ تذهب الدراسة في ست عناوين، مصطلح الردة لغويا، لإدراك الكاتبة أهمية ضبط المصطلحات في البحث العلمي، وعنوان ثاني عن الردة في العصر الحديث وماذا أنتجت من أحكام مثل ردة المجتمع والحاكم والدولة، عدا عن صور الارتداد الجديدة مثل التجنيس، والذي كان يواجه بمقاطعة المتجنسين وعدم التزاوج منهم ومنعهم من المساجد وحتى من الدفن في المقابر الإسلامية.

وعن دواعي الارتداد في العصر الحديث توضح البروفسور قرامي أن الأسباب لم تحلل بعمق ولم تفرد أي كتب عنها، فقد ظلت المواقف متباينة بين طرف يضع التبعة الكبرى على المسلم، وبين طرف تغلب عليه النزعة الدفاعية وتحميل المستعمر المسؤولية، تشير الدراسة في أسباب الارتداد إلى أن « القاسم المشترك بين المثقفين وغيرهم هو الواقع النفسي المرتبط بعوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية، والذي يؤدي إلى انهيار ثقة المسلم في حضارته، وعيشه حالة استلاب وفراغ روحي تسوقه إلى الانتماء إلى المتفوق حضاريا، فيكون الارتداد محاولة لإعادة تركيب الواقع الشخصي للفرد بما يخدم أهدافه ومصالحه».

في العنوان الرابع، تتداول الدراسة أحكام الردة بين الفقه والقوانين، وكيف يكون التضاد بينهما سببا في تعطيل حكم الردة بشكل مستمر، يمكن للقارئ أن يجد في هذا الكثير من الحالات الصادمة عن استبداد السلطة القضائية الدينية بالإنسان وحرية اعتقاده، بينما في خامس العناوين فتتناول الكاتبة أحكام الردة تحديدا في ضوء الدعوة إلى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية « وأمام اكتساح الدولة العصرية لكافة مجالات الحياة كان لابد لأنصار العودة إلى تطبيق الشريعة من أن يكبحوا جماحها، بأن يوضحوا للجميع أن ما يجب فهمه من مادة - الإسلام دين الدولة- هو أن تكون قوانين الدولة مستندة إلى أحكام الشريعة وحدها، وهكذا تصبح مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا وسيلة للمحافظة على الدين فحسب، بل لتحقيق المعارضة والوقوف أمام السلطة المستبدة! «

تخلص الكاتبة إلى أن مسألة تناول القضية من جانب قانوني تتنزل في إشكالية أعم وأشمل وهي الدعوة إلى تطبيق الشريعة « ولابد من الإشارة إلى أن القانون الإسلامي -الشريعة- مازال متصورا حتى اليوم على أنه قانون إلهي متأصل جذريا في الوحي، والموقف تجاهه لا ينبني على الاجتهاد، وإنما على الاستسلام، لذلك ترتفع الأصوات من هنا وهناك منادية بحماية هذا القانون الإلهي والعمل على تطبيقه، وبذلك نجحت الجماعات الإسلامية في تعبئة المخيال الاجتماعي من أجل القيام بثورة إسلامية لاستعادة الأنموذج المثال».

وعن مواقف المحدثين من قضية الردة، تجد الكاتبة أنهم انقسموا إلى ثلاث مجموعات، إحداها تستعيد آراء القدامى استعادة حرفية، والأخرى حاولت تقديم رؤية جديدة ومختلفة للتراث، والأخيرة مجموعة من المفكرين رفضت إضفاء القداسة على التراث واعتبرت أن أحكام الفقهاء ليست ملزمة للعصر الحاضر، ولقد خلصت هذه المجموعة الأخيرة إلى « ضرورة أن يضطلع المثقف اليوم بكامل مسؤوليته في تطوير الفكر الإسلامي بعد أن أكدت التجربة أن ترك الإسلام بيد المجامع الفقهية ورجال الدين قد أدى إلى ركوده وإلى الانسلال منه لأنه لم يعد دينا يتلاءم مع الثقافة العلمية والتاريخية والنفسانية والاجتماعية للمسلم المعاصر».

تخلص الكاتبة في دراسته المنضبطة بالمنهج العلمي إلى أن الإنسان الذي بشر القرآن بميلاده تفوق بحقوقه على الإنسان السابق للقرآن، لكن الممارسة التاريخية أثبتت تحالف الساسة مع العلماء ليجمدوا مفهوم الإنسان فلا يصبح كاملا أو شرعيا إلا بامتثاله لمقولاتهم، فأصبح هنالك إنسان ونصف إنسان وتم التنازل عن المسؤولية الفردية لفائدة المجامع الفقهية «إن المجتمع الذي يوفر للفرد منظومة يقينية سكونية لا يتصور إمكانية انفصاله عنها ويعسر عليه أن يدمج من لا يحمل مميزات الجماعة في المجموعة ويشق عليه أيضا أن يعترف بالمفرد الحر المريد لأنه في نظره عنصر مزعج غير منسجم مع النسق، وإذا ما بالغ هذا الفرد في ممارسة حريته بدحض المصادرات وتقويض الأنماط التقليدية للمعرفة فإن المجموعة تتكفل بسحقه لأنه بنظرها خائن لا عهد له ولا ميثاق كافر زنديق مرتد ملحد، وبالطبع ليس بإمكان خير أمة أخرجت للناس أن تعترف بإنسانية أي فرد إلا إذا خضع لنظامها وآمن بمسلماتها «.

lamia.swm@gmail.com الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة