Culture Magazine Thursday  29/11/2012 G Issue 387
فضاءات
الخميس 15 ,محرم 1434   العدد  387
 
أزمة استراتيجية الجودة الثقافية.. «الجوائز المحلية نموذجاً أول»
سهام القحطاني

 

هل يمكن القول إن الجوائز الثقافية في السعودية لا تعبر إلا عن نفسها فقط.

هل هذا يعني أن عليها أقصد الجوائز الثقافية أن تعبر عن أشياء خارج نفسها؟ وهذا السؤال بدوره يطرح سؤالا على طاولة الحوار الثقافي ماهي إستراتيجية الجوائز الثقافية لدينا؟.

وسؤال الإستراتيجية هنا يتضمن ثلاثة فواعل ؛فاعل القدرة وفاعل القيمة وفاعل المعيار.

وأقصد بفاعل القدرة؛ طبيعة الإمكانات المؤهلّة للجهة الراعية للجائزة لتحقيق «وعي الجودة الثقافية».

وتحقيق «وعي الجودة الثقافية» عبر تلك الجوائز لا يتم إلا بفاعلية الجائزة الثقافية؛

وأقصد بالفاعلية الثقافية للجائزة؛ أن تكون الجائزة «مؤسِسا للإنتاج الثقافي وتأثيره» لا «مستورِدا ثقافيا» «للإصدار المكتوب».

وتحوّل الجائزة من فاعلية الإنتاج إلى مفعولية المستورِد يُفسد اعتبار جدية القدرة لثلاثة أمور هي،

الأمر الأول؛ أن حصر الجائزة في دور»المستورِد الثقافي» بدلا من دور «فاعل الإنتاج الثقافي» يجعل حرية الاختيارات للمُنتَج الثقافي» من قِبل الجائزة ضيقة واشتراط مواصفات الجودة الثقافية في حدّها الأدنى.

والأمر الثاني؛ أحيانا يفرض السوق الثقافي كونه مّصدر الإنتاج الثقافي على الجائزة الثقافية التنازل عن ربع أو ثلث أو نصف الحد الأدنى من اشتراط مواصفات الجودة الثقافية للمَنتج الثقافي،بحيث يصبح المُنتَج الثقافي المختار في فئة السيئة؛ أفضل السيئة،وهو ما يهدد قدرة الجوائز على فاعلية الجودة الثقافية.

والأمر الثالث أنه محرّض على عزوف المثقفين الجادين للتقدّم إلى الجائزة كما أنه يرفع سقف المجاملة والشلليّة الثقافيتين مما يعرض مصداقية ونزاهة الجائزة.

كما يدفع فساد اعتبار القدرة الجوائز الثقافي إلى التخلي عن مهمتها الرئيسة «كممثل وفاعل إجرائي للحدّ الأقصى من مواصفات الجودة الثقافية».

وتعتمد أصالة اعتبار القدرة هاهنا على أربعة أهداف إجرائية هي،

تشجيع الإصلاح الثقافي، تمثيل الجودة الثقافية السائدة أو الحدّ المعقول للممكنة، تبني المشروع الثقافي التنويري، وتطبيق العقل الثقافي التطويري.

ومقابل ما يجب أن يكون لاعتبار أصل القدرة للجوائز الثقافية، يحق لنا أن نسأل عن توفر إجراءات القدرة في جوائزنا الثقافية المحلية.

ليس بالضرورة أن يكون الغرض من السؤال عن توفر خدمة فاعل وإجراء القدرة في الجوائز الثقافية من باب الشك في سلامتها التأهيلية وبالتالي بطلان ناتجها وإن كان هذا الغرض لا يُحرج مضمون السؤال،إنما الغرض هو التأكد من حقيقة قدرتها التأهيلية في نشر وتحقيق الجودة الثقافية.

فما مدى قدرة الجوائز الثقافية المحلية على التشجيع على الجودة الثقافية؟.

وما مدى قدرتها على تمثيل الجودة الثقافية السائدة أو الممكنة؟.

أو قدرتها على تبني المشروع الثقافي التنويري؟ أو قدرتها على تطبيق العقل الثقافي التطويري؟.

أو أضعف الإيمان ما مدى محافظتها على قدرة الإمكان المعقول التي يُدخلها من باب التجاوز فصل «الإجادة الثقافية»؟.

تسعى الجوائز الثقافية المحلية إلى «مكافأة الإصدار المتميز» وإن كانت صفة التميّز غالبا صفة جدلية وليست «خاصية تقنية»، أو «تشجيع الجنس الأدبي الناشئ» وغالبا هذا الهدف لا يراعي السلامة الإجرائية لخصوصية الجنس الأدبي إلا في حدّها الأدنى مما يضر فبما بعد جدية الجنس الأدبي وتطويره.

أو»لتحقيق شهرة ثقافية» للمصدر الثقافي الراعي للجائزة،وهنا تخضع الجائزة لترويج الاتجاه الثقافي الذي تتبناه الجهة الراعية للجائزة وهو ما يعد تبطينا للإقصاء كما أنه يضر بحرية التنوع الثقافي ويقلص مساحته.

ما أعتقده أنا أن «القيمة لا تخضع للذوق»، وأن الاختلاف في نوع التقدير مباح،لكن الخلاف في تحديد القيمة أحسبه مؤشرا لخلل في العقل المعياري.

وهنا نقف أمام الفاعل الثاني لإستراتيجية الجوائز الثقافية وهو «أزمة فاعل القيمة».

مجرد أن يتم إعلان فوز كتاب بأي جائزة ثقافية يبدأ الخلاف بين قارئ للكتاب مؤيد لاستحقاق الكتاب الفائز بالجائزة وقارئ للكاتب رافض لاستحقاق الكتاب الفائز بالجائزة وقد يدهشك الأمر إن كان هذا الخلاف واقع بين أصحاب الرأي من ذوي الاختصاص بالتقييم!.

قد يرى البعض أن الخلاف هاهنا هو أمر طبيعي بين أصحاب الرأي من ذوي الاختصاص بالتقييم، وأنا أرى أنه غير طبيعي لأنه مؤشر نقص لخاصيتي «الصدق والثبات».

لأن سلامة الصدق وصحة الثبات هما جذرا تشكيل أي قيمة.

و أي خلاف على ناتج القيمة يهدد جذري القيمة «الصدق والثبات» والتهديد بدوره يؤدي إلى فساد «اعتبار القيمة».

وفساد اعتبار القيمة يعني ما هو في طور التشكل ليصبح قيمة، والقيمة هاهنا تحضر كمعادل للحكم إضافة إلى تحوّلها كمعامل للتمييز.

وما قد يؤدي إلى فساد اعتبار القيمة هو خضوع « تحديد القيمة» « لثنائية الموضوعية والذاتية»، لأن ناتج القيمة يجب أن لا يتحول إلى «مصدر خلاف» بين المختصين،ومتى ما أصبح ناتج القيمة مصدرا لخلاف كان ذلك كاشفا لفساد «اعتبار القيمة» والشك بفساد اعتبار القيمة يرفع عنها خاصيتي الصدق والثبات، لذلك يجب أن يظل اعتبار القيمة صافيا ونظيفا.

وعندما أربط وجود إمكانية خلاف على ناتج القيمة بوجود فساد على اعتبار القيمة؛ فأنا لا أُشرك الاختلاف في ذلك الربط؛لأن الاختلاف على ناتج قيمة لا يعني فساد اعتبار القيمة.

لأن الخلاف يتناول جدل جذري القيمة الصدق والثبات لذلك هو مؤشر لفساد اعتبار القيمة، في حين أن الاختلاف يتناول تفاصيل التعبير عن القيمة،والاختلاف على إمكانية الطريقة والأسلوب ليست مؤشرا لفساد اعتبار القيمة لأنها لا تتعلق بجذري الصدق والثبات.

وإن كان البعض يرى وجوب اعتبارها التأثيري أقصد إمكانية الطريقة والأسلوب لأنها رأس الجودة الشكلية للقيمة.

أما الفاعلية الثالثة لاستراتجية الجوائز الثقافية فهي فاعلية المعيار وتحقيقها.

والإشكالية الكبرى التي يعاني منها المشهد الثقافي السعودي سواء على مستوى التطبيق الثقافي أو الإنتاج الثقافي هي «غياب العقل الثقافي المعياري» أو هكذا أعتقد، وهو غياب أدى بدوره إلى «العشوائية الثقافية»، وتلك العشوائية أثرت بدورها على «الجودة الثقافية» للإنتاج والتطبيق.

ويمكن وصف المعيار بأنه» الحد الضابط لحصول القيمة» أو «الإطار الوصفي المؤثِر في تحقيق الجودة»، أو المرجع الذي يُعتمد عليه في تأليف مواصفات «المُنتَج الجيد»، أو تأليف «قياس الخبرة الأنموذج».

ويُشترط في المعيار أن يكون محصّنا ومحميّا مما قد يؤدي إلى فساد صرامة المعيار، وما قد يؤدي إلى فساد صرامة المعيار جملة من الأمور هي الخضوع للإثارة الجماهيرية،قابليته للتأويل والاحتيال والتزوير والازدواجية والإضافة.

وتتحقق فاعلية المعيار المّلّزم بالجودة عبر مستويين؛

المستوى الأولى ؛بناء المنظومة الإجرائية التي يتشكل من خلالها الإنتاج الثقافي وفق ضوابط المعيار.

والمستوى الآخر؛ تأسيس سلم الأحكام النقدية وفق المرجع المُعتمد لأصل المعيار.

ويمكن القول بأن فاعلية المعيار وفق المستويين السابقين تُعين على رسم المدى المتوقع لكفاية وكفاءة الإنتاج الثقافي.

ووضع استراتيجية إجرائية للجوائز الثقافية المحلية وفق فاعلية القدرة الخالية من شبهة التطبيع مع تجار السوق الثقافية، وفاعلية القيمة الصافية من فساد اعتبار أصل القيمة وفاعلية المعيار المحمي من أي قرصنّة ثقافية بالاحتيال والتأويل والتزوير، هي التي تضمن للجائزة التحكم في رسم خارطة الجودة الثقافية وتُعين المُثقف والمشهد الثقافي على تحسين ورفع كفاءة إنتاجهما، كما أنها تدعم تأهيل المُنتَج الثقافي ليتناسب مع المواصفات الثقافية الدولية،لتحقيق المشاركة في صناعة العقل الثقافي العالمي.

sehama71@gmail.com جد ة
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7333 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة