Culture Magazine Thursday  27/12/2012 G Issue 391
مراجعات
الخميس 14 ,صفر 1434   العدد  391
 
استراحة داخل صومعة الفكر
آه من سطوة الفقدان! ... آه من موت العبارة!
سعد البواردي

 

عبدالله الزيد - 151 صفحة من القطع المتوسط

بين الشعر في أصالته وبين النثر الفني في جزالته قاسم مشترك اعظم هو ما يحمله ذلك الطرح من رؤى داخلية.. وصور جميلة قاطعة بدلالاتها، مشرقة بمضامينها.. فما كل شعر تقليدي خاو وخال من أدواته بشعر.. النظم انموذج لمواته وفقدان حياته.. وحتى النثر حين يغيب عن ذهنية القارئ.. وتغيب معه مكوناته الفنية يتحول إلى مجرد هرطقة كلامية لا مكان ولا مكانة لها في ادبيات الطرح.. وشاعرنا الزيد أخاله جمع بين الحسنيين في أصالة شعره ومعاصرة نثرية في ديوانه.. وفي عنوانه الذي جمع بين السطوة والموت بين القوة.. والضعف المتهالك..

سأصطفي من شعره ونثره ما هو خارج الخصوصات.. هذا ما يعنيني أمره.. ولتكن البداية مع (ترتيلة المشروع في نفق النداء).

قرب الأقصى تتناثر اجساد الصبر الموجوع وكظم القهر

عند الأقصى تراق دماء النصر

وتحرق أوراق الفأل الموعود..

يشيخ النثر، وينثر الشعر

بهذه الآهة جاء صوته مستفزاً علوهن والضعف.. ولاستباحة كل حق وحرية.. وحق إنسان.. يعاني القهر في ظل صمت عالم منكوب بإنسانيته.. وشرعيته.. وقوانيه الدولية العوراء.. وعلى مشهد صارخ من المفسدين في الأرض وهم يعبثون بالحرمات والمقدسات يقتلون.. يغتالون. يدمرون.. يهجرون ينسفون ويسجنون.. ويحرقون.. وييتمون.. صوت أي يحمل صرخة وجع (شكوى):

سأحمل غيظي إلى موعد

أكون به الفاعل للسيدا

وأوقد ناري التي انطفأت

واكد لها الآن ان توقدا

سأحرق ذي دنا فتدلى

وفي ساحة العز قد عربدا

استمطر الله غيثا يغيثها

يرد الصدى من هدير المدى

الكلام يا عزيزي وحده ما يكفي.. ملأنا الكون صخباً وضجيجاً.. كانت لنا الادانات والشجب.. والتنديد ولعصابة تل أبيب العدوان والتهويد. السماء لا تمطر ذهباً.. {وَقُلِ اعْمَلُواْ} هكذا جاءت دعوة السماء.. لا مكانة للقاعدين والخاملين جميل أن تشعر.. وأن تصوغ مشاعرك المحمومة شعراً لاهباً غاضباً.. شريطة ان تنادي حياً كتلك التي صرخت (وامعتصماه).. وجاءه الجواب الحاسم.

(صوت؟) هذه المرأة دون الدموع وهل يملك المقهور العاجز غير الدموع؟!

سوف ابكي.. نعم، هناك دموع

لا تُجارى في مقتها لا تضيع

سوف أهمي بثورة الصحب اني

دون صحبي لا يصطفني الشروع

والربيع الربيع يألف وجهي

كلما همته هام في الربيع

والهوى ينتشي إذا احتد حدي

فوق حدي قد حالفتني الضلوع

حالفتني طلائع النصر إني

في هزيع الفلاح طاب الهزيع

جميل أن نحلم.. أن نبني القصور في خيالاتنا.. أن لا تكون الرمال اساساً لذلك البناء فينهار.. طلائع النصر أمنية وحلم يكذبها الواقع على الأقل في زمننا المعاش، ما نشهده تفتيت لجسدنا المعرى، وفتن ننسج لتمزيق نسيجه الاجتماعي بين مذهب.. ومذهب وبين قطر وآخر.. بل وبين شقيق وشقيق.. وغزة والضفة اكبر دليل وشاهد على ما أعني.

(يا نبت الأعياد) مسودة رثائية تقول كلماتها:

يا ذاهلاً أوغلت في ذاته الخاء

والميم تشعله إذ يكسر الماء

والداء تسري سريعاً مفاصله

وقد اقامته على ايقاعها الراء

حاولت أن اجمعا فجاءت (الخمر) إضافة إلى راء زائدة وتاء زائدة.. ادع السر لبطن الشاعر يعني مابعده:

أقوت بك الخطرات الخضر واندلعت

نار الخبال وانهى فألك الداء

واصبحت سهرات الإنس مترعة

نار الخبال وانهى فألك الداء

مقطوعة رمادية اللون.. والرماد لا يستهويني.. بل إنه يثير في نفسي الكثير من الشجن والوجع.. حتى تلك الحروف التي تسرقه باؤها في بلواء بائها لا استلذها.. ربما غيري يطعمها أكثر: (صوت) ثالث بدون رقم تسلسل وقد نثره شاعرنا.. لا بد من علمته والوصول إلى مهمته:

ألا أيها الآدمي الذي قد عصيت

وما شدك النور صوب النجاة ولا أنت

في سيرك للتريب ارعويت إذا كنت قدما

نسيت أباك الذي باع جنات عدن

بوعد تنورته في ثم انتهيت

ويذكره بأخيه الرضي وصومعته.. وواكفة من دعاء، وترتيله من دموع وقد هدهده في السجود الرجاء، وتناهبه اليأس حين الركوع.. اشعر يا عزيزي أنني بدأت اغرق في بحر الرمز فما اجد سبيلاً للنجاة.. سأكتفي بهذه الكلمات:

(خاتمة) عنوان.. وليس نهاية:

يا مسرفا لا يستفيق به الدم

قد خيم مسراك السبيل المعتم

كل القناديل التي اسرجتها

قد أطفئت، ومداك افق معتم

هيمان تسترق الضياء بومطته

والبرق حولك مرعب لا يرحم

هلا سموت إلى السلام وسجت

خطرات روحك اذ غشاها الموسم؟

فلأنت سيد لحظة أضرمتها

ما زلت تسرق في الوقود وتضرم

اي سلام يعنيه شاعرنا الزيد.. سلام سياسة في عالم مسكون بالحرب.. ام سلام حب مسكون بالجحود والجمود؟ أم سلام آخر؟

أجرمت في حق المسير ونوره

ولأنت في حق النهاية أحرم

ما بين معترك الخطايا لحظة

تنجيك فيها توبة وتندم

أحياك حي لا يموت وأنت في

عين النقيم مجاهر تستأثم

ثبتت الرؤية سلام توبة واوبة إلى الله بعد نكران لنعمه.. هذا ما يمكن استخلاصه من بين ثنايا قصيدته..

اخذتنا الرحلة مع شاعرنا إلى (أغنية الرحيل) كان رحيلنا ممتعاً ومشبعاً بروح التفاؤل والأمل ولكن إلى حين:

هــامت مسـرّاتيفي طلعت الآتي

ورحـت أشـدو علىإيقـــاع ذراتي

ليت إيقاعه جاء على وقع أبياته:

ذاتي التي أزهــرتلم تحتمل ذاتي

من هنا بدأ التحول في مسار الرحلة بعد ابتهالات سمائه، وانفعالات رضاه والكون المورق الذي يشكل حياته:

اشتقت لا شــك فيوجدي وحسـراتي

لا الشوق يشفي ولاتشــفي شكاياتي

والصوت قبل الصدىأودى بـأصـواتي..

والــود إن هــام لاتفـــيق أبيــاتي

إذ لا صبر يحمله على قطع المسافات ولا المسافة تندى بالخطوات.. ورغم لا بطل اجتاز الطريق الصعب مستعيراً المدى وجها لمرساته.. كانت منه وله فرحة لم تتم.. كذا يلوب الاشعر في متاهات حين لا هو بالعذوبة ولا هو بالعذاب.. ومن كانت هذه نهاية مطافه لا بد وان يقطف (البكاء)..

يا حبي المجدول في قلبي

يا قلبي المتبول في حبي

طال انتظاري ثم اذا ازفت

نجوى للقلوب تغيب عن قلبي

ولان الانتظار مر مذاقه الحنظل وقد طال به:

ملَّ انتظاري ثم إذا فرجت

تغتالك الصحراء من سربي

الدرب موصول بلا حلم

مذ تاهت للاعلام عن دربي

ومع التحية والدرب المقلق لا مفر من الشكوى.. ومن الدموع الاقدر على التعبير رغم صمتها.. واحتباس صوتها:

أبكيك لا يبكيك في خلدي

مثل المودة، والهوى العذب

أبكيك والدمع الذي ذرفت

به العيون عن المآسي يبني

ومن البكاء إلى النشيج.. والبكاء أرحم.. واخفض صوتاً:

أمست الدنيا كتابا نازفا

برثاء الورح.. في روح الرثاء

يستكين الحال في حلق الردى

ويذوب الفأل في حلق الرجاء

الحلق هنا تحول إلى غصة غير مستساغة.. وددت لو انه ابدل (حلق) الاولى بـ(كأس الردى) وحلق الثانية بـ(قبر الرجاء):

فإذا أنت انشطار موجع

واذا أنت عتيد في البلاد

البلاء يا عزيزتي لا شيء عتيد ولا عنيد أمامه انه المقهر الذي تتداعى أمامه كل مفردات المقاومة.. ألا ترى أن (صبور) أنسب؟

أمست الدنيا سياقا مترها

بشقاء القلب في قلب الشقاء

قصة الحي مدار مفتعل

برهاب الموت من قبل الفناء

لا شباب الروح يغتال الاسى

او كتابه العمر يرتاد البقاء

كل ما في ساحة الحي ارتمى

خبراً يكتب في سفر العفاء

ليته احل مفردة (العناء) بدلا من العفاء.. احسبها أنسب..

شاعرنا المتألق رسم لنا بريشته صورة للحالة بنثره الفني المعبر:

لم أعد أعرفه مني

اذ تمثلت يقيني بمصابي

ذلك الفهم الذي كنت أفديه بحالي وكتابي

ذلك الوعي الذي كان

يفديه انفعالي وصوابي..

(أدرك بحر السبب) الذات ضيقة والروح ميتة.. فجيعة زمن.. ووجيعة مكان, وحالة كهذه لا بد وأن تغيب الأفياء عن صيف التداعي.. ويتوارى كل ما حوله من دلالات كانت تدله على دربه..

(فاتحة) جديدة لها مذاقها.. وان جاءت متأخرة في سياق المكان:

ردي كتاب الهوى للأحرف الاولى

واشعلي في مساء الوجد قنديلا

وافاك عرف الندى من نار نشوته

فأيقظي من سبات الرسم ازميلا

ألا يرى شاعرنا أن مفردة (قطر الندى) انسب من عرف الندى؟

قد جئت صوب ملاذ الروح اقرؤه

فعاد يكتبني وثماء وتشكيلا

القيل مسرجة في فعله لغتي

والفعل يندب في تكوينه قيلا

فلا الزمان اذا هادنته زمني

ولا المكان يداني قامتي طولا

ويمضي بإباء وشموخ يقارع ويصارع زمنه في تحد:

ما كنت احسبني اوفي إلى امد

يرتد فيه نجي الشعر مخذولا

واستعيد من الرؤيا عبارتها

فأنشني دون عين الكشف مقتولا

هابيل وجدي أراق النار في سعتي

واسكرت شهوة الفقدان قابيلا

لكنني موئل التجريد مصطلحي

لا يستكين ولا يرتد مفعولا

هل اقوله ما قاله ابو الطيب المتنبي:

فيك الخصام وانت الخصم والحكم

ما احد يملك تجريد أحد. ولا مصادر مصطلحه.. أفق المعرفة والافصاح عن المكنون متاحة تتسع لكل الخيارات.. افضلها ابقاها..

(أغنية الخروج) معزوفة حب.. على اوتار قيثارها شعر شاعرنا عبدالله الزيد:

قفا ودعا نجدا فبي مثل ما به

وفيه الذي يُشقي وفيه الذي اهوى

وفيه الذي إن ضاقت الذات عن دمي

تذلل حتى صار اندى من النجوى

وفيه الذي ان ضجت النار في فمي

تجبر حتى صار أقسى من الشكوى

وفيه الذي إن غاب عن خاطر المدى

فلا الأرض كل الأرض تهدي لي السلوى

هذا شبه بالمدخل الذي يسبق التعريف:

أنا من أنا؟ وجد يزور انفعاله

ويرجع من بعد التجلي إلى المأوى

فحينا أرد الوعي عن حافة الأسى

وحينا يناديني السديم الذي أقوى

ألا ما الذي تختاره الأرض للفدا

إذا كان هم الأرض بعضا من البلوى

وكان أنشيال الحب بعد اشتعاله

يُشيِّع قديس التراب إلى المثوى

حري بذاته الأيك تزجي مواجعي

وأخلق بذات الحلم تنأى عن الرجوى

شاعرنا في النهاية بات بلا معنى يظل مباهجه.. وصحا على لفظ يسطح ما يروى.. وقد سبر واختبر وادرك أن الغثاء انتصر على الزبد والزبد انتصر على الماء الذي يمكث في الأرض..

(أغنية الروح):

لفجري اجهاش بإنشاء مهجني

يجيش كطيب الوعد في ليلة المسرى

ولليل توقيع تولاه صيِّب

من العمر أولاني إلى أنسه عمرا

لأيامي الاولى تغر مواسمي

ولي في نشيج الروح انشودة سكرى

هكذا بدأ شريط الذكريات.. الحياة المبكرة.. الطفولة وما بعد الطفولة.. مشاهد اخذت تلوح في خاطرة الزيد يحاول استجماعها:

او استرجاع البعض منها ما امكن:

إلى دارة في الوشم تهفو مواردي

وانثال مثل الوجه في نشوة البشرى

أجي كما يأتي الربيع لفصله

وألتم مثل الوجد نوارة الذكرى

وفي ريق الأحباب تندى مواجدي

ويعتادني يومي.. ولا اعرف السرا..

قل غير هذا يا عزيزي.. السر الذي بحت به تعرفه اعز المعرفة.. انه الانتماء.. والوفاء لأهل.. وتاريخ.. وسكن ورمل ذهبي تمرغت عليه ايام طفولتك.. انه الأزقة التي عبرتها.. والبيوت الطينية الطيبة التي سكنتها.. انها انت وجود وحياة..

يقولون لا تبعد.. وهم يسمعونني

ألون انشادي من الساحة الأخرى

كريم على ذاتي حنين احبتي

سؤال يعيد النثر من هاتفي شعرا

دع هاتفك مفتوحا.. وقلبك مفتوحاً لأحبتك الذين يشدهم إليك الوصل والتواصل.. انه بعض الواجب..

ويحتد مثل العشق قبل انتحاره

وينثر ما ابقيه من حاجتي نثرا

فتأتي إلى وسعي خيول استخارتي

واصحب منها لك الخير الأدرى

وبين المد اللذيذ والجزر الذي دونه لذة يمضي شاعرنا الشقراوي يراوح مكانه بين حب مدينة واهل وسكن.. وبين عصمة هي القلب الصاخبة لهذا الوطن الكبير..

واطوي فصولا من تراشيح رغبتي

وأنسى غداة الشأن من شأنها أمرا

ألا ما الذي ابديه بعد توهجي

سوى زفرة حلت بها لحظة حيرى

فلا أنا إعجاز بميسور احرفي

وليس الذي ازجيه من احرفي سحرا

وما انا إلا ضمة حول مولدي

أذا فتحت كان البكاء بها احرى

دع الضمة في قمقمها دون فتح كي يعاودك بكاء هو وجبة افطار وغداء وعشاء لهذا الزمن.. انه يكفي..

عزيزي الشاعر المتألق عبدالله الزيد كنت رفيقا في رحلتنا معك عبر الاستراحة وكنت رفيقاً ونحن نستعرض في عجالة ديوان شعرك ونثرك الفني آه من سطوة الفقدان.. آه من موت العبارة.. الاه التي اطلقتها كانت جرعة احساس لا بد منها لأي شاعر أو ناثر يعيش واقعه ويعايش مواقعه.. النهاية..

- الرياض
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5621 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة