اختلفت الأيامُ، هل قال أحدٌ إنها لم تختلف؟!
صحيحٌ أن الأيام قد اختلفت في كل شيء، ولكني هنا لن أتكلم عن كل شيء!
سأتكلم فقط عمّا يعنيني ويعني من هم على شاكلتي (الشعر ودواوينه)، ففي التسعينيات، مثلاً، عندما يصدر شاعرٌ ديواناً جديداً كان من أولويات ما يفعل هو إرسال نسخ منه إلى عناوين من يعرف من شعراء وأدباء وكتّاب الزوايا في الصحف، وكان الواحد منا يجد في صندوق بريده أكثر من ديوان كل أسبوع.. أما الآن، ومنذ أن تم الاعتماد الكامل على المراسلات الإلكترونية، فالبريد الإلكتروني هو من بات يتلقى الدواوين والكتب الجديدة تأتي على شكل ملفات إلكترونية PDF وهي النسخة المعدة للطباعة على الورق..
مضى زمنٌ لم أجد في صندوق بريدي ديواناً ورقياً (فقد بتنا نعرّف الكتب بالورقية بعد سطوة وطغيان الكتب الإلكترونية!) لذا أحسستُ بسعادة ونشوة حين وجدتُ في صندوق بريدي اليوم نسخة من ديوان شعريّ للأديب القاص والشاعر عبد الكريم النملة (ضجيج قلب) الصادر حديثاً (2013) في طبعته الأولى عن دار أزمنة..
وفي اليوم نفسه تلقيت مناولة، نسخة من (مخطوط) ديوان شعريّ لم يصدر بعد، للشيخ الكبير قدراً وعمراً – الشاعر مبارك بن دليم (ميمون السبيعي) أثناء جلسة جميلة بدعوة كريمة منه في دارته العامرة بقرية (ضبيعة) القريبة من الخرج..
هي سعادة ونشوة إذاً شعرت بهما وأنا أتلقى – في يوم واحد – ديواناً خارجاً للتو من المطبعة، وآخر لم يطبع بعد(!) بعد أن كدتُ أنسى شكل هذه الإهداءات (الورقية) التي اختفت وحلّ محلها الإهداء الإلكتروني الذي لم تشفع له سرعته اللحظية في كونه يفتقد الحميمية التي نتحسسها في الورق حين نقرأ عليه شعراً..
ولأنني لستُ ناقداً، فلن أسمح لنفسي بتقييم أيّ من التجربتين الشعريتين، فكلٌّ له تميّزه في عالمه المشكّل بأدواته. فقط سأقتطف مقطعاً من هنا وآخر من هناك كتعبير عن ذائقتي التي تماسّت مع هذه السطور..
يقول مبارك بن دليم (أو ميمون السبيعي) في إحدى قصائد ديوانه المخطوط (جياد لا تكبو) من الشعر العمودي:
(في ذمة الله، يا أوقاتنا الـ.. ذَهَبتْ
نسيحُ في أينما – نحفى وننتعلُ
أعدو ورا سيّدي، أو هُوْ يطاردني
نطيرُ في السهل أو يعلو بنا الجبلُ
يا قاتلي: ما رعيتَ الله بي، وهُمُو
يا ليتَ لم يعصنا في شاننا الأهَلُ
يا ليلنا.. هل تفاجينا بمعجزةٍ
يرضى بها الشاهدان: الدمعُ والقبلُ؟!)
أعجبتني هذه الأبيات، وإعجابي لا يعني أنها أفضل ما في مخطوطة الديوان، ولكنها الذائقة تختلف من أحدٍ لأحد..
أمّا ديوان (ضجيج قلب) لعبد الكريم النملة، فقد أعجبتني منه هذه المحاكاة لغائب يصرُّ على الغياب:
(أتعرف حينَ تغيب
أنّ طفولتنا
تعود إلينا ثانيةً
وثالثةً
ويبلغُ الضجرُ محلّه
في قلوبنا الصغيرة
حين ندعوكَ
فلا تستجيب..؟!
أتعرفُ حين تغيب
تغيبُ خلفكَ
كلُّ شواهدِ الطريق..
فلا طريقَ يصل
ولا كلمة يانعة تجيب..)
سأكتفي بهذا القدر من الاقتطاف، فشكراً للشاعرين العزيزين، ولكل شاعر يعرف حميمية الشعر المرسل على الورق؛ ويا ليتها تعود أيامُ الدواوين..
ffnff69@hotmail.com
- الرياض