ينتشر في الآونة الأخيرة - وما زال - العمل الروائي سواء النسوي أو خلافه في بلادنا العزيزة، وهذا مؤشر يدل على مدى الغزارة الأدبية والثقافية التي تسودنا ذكوراً وإناثاً.. ولا أبالغ حينما أقول: إن العمل الروائي السعودي أخذ يغزو ويفرض وجوده على الساحة الأدبية العربية، ولا عجب في ذلك كون السلاح الأدبي والثقافي متواجد ونمتلكه، ولا عجب أن الرواية السعودية أخذت تغوص في المسكوت عنه وأظهرت ما كان محظوراً بخطوط حمراء في حقبة ماضية..
كُتاب الرواية من الجنسين في بلادنا في تزايد، وخاصة من جيل الشباب، وهذا التزايد أجده منطقياً، حيث الطفرة الإبداعية في المشهد الأدبي والثقافي التي تواكبنا ونواكبها، وها هي الكاتبة أماني السليمي تُطلعنا على روايتها الثانية (نيلوفر.. الماضي الرهيب) الصادرة عن الدار الوطنية الجديدة والتي أبدعت في طرح قصة، ربما هي من الواقع الذي مُزج بالخيال والحبكة الروائية. فالقراءة الروائية تنقل القارئ إلى عوالم كثيرة ومتنوعة في شخوصها وأراضيها ومكوناتها، فهي رحلة بل مجموعة من الرحلات كما يقول (ميشال بوتور): (قراءة الرواية رحلة في عالم مختلف عن العالم الذي يعيش فيه القارئ، فمن اللحظة الأولى ينتقل القارئ إلى عالم خيالي من صنع كلمات الروائي ويقع هذا العالم في مناطق مغايرة للواقع المكاني المباشر الذي يتواجد فيه القارئ) فرواية «نيلو فر» للكاتبة الشابة أماني السليمي تحكي قصة فتاة كانت ضحية لأفعال وإدمان أبيها، فكانت هي السلعة التي يتاجر بها أبوها من أجل نزواته والوحل الذي هو فيه.. الكاتبة أجادت في إظهار هذه القصة بحبكة وأسلوب روائي رائع، وتعكس معاناة حقيقية - وإن كانت نادرة - تتوغل في مجتمعاتنا بسبب السقوط في وحل وقاذورات المخدرات والمسكرات وما تؤدي إليه من تحلل أخلاقي إلى درجة جداً واطية ؛ فلا أخلاق ولا غيرة ولا حمية حتى من أقرب الناس (الأبوين).. ها هي (نيلوفر) قدرها أن تعيش في أسرة مفككة ومتناثرة: أم مطلقة ومهملة، وأب مدمن وواقع في الفقر بسبب المخدرات والمسكرات.. خساسة الأب ودناءته، والذي جعل من (ابنته) سلعة للحصول على ما يسد ويشبع نزواته الشيطانية من المخدرات والمسكرات، و(نيلوفر) هي الضحية التي من خلالها يحصل على سمومه ويشبع رغباته ورغبات الحوش ممن هم مثله.. تقع نيلوفر فريسة تنهش فيها أنياب وأظافر المجرمين وللأسف من رفقاء أبيها وهو من...!!
عالم الجريمة تفوح به هذه القصة على اختلاف أجناسها ؛ إدمان، اغتصاب، زنا، خيانة، سرقة، قتل، وأكثر..، نيلوفر الفتاة الجميلة، عاشت مع أبيها في حالة مأساوية، حيث جعل منها أبوها سلعة لنزواته، والذي تاب ورجع إلى الله في أواخر حياته. قد زوجها لرجل كبير في السن ومن آخر يعمل حارساً، وفي تلك الزيجتين لم توفق لأنها من الأساس فاشلتين.. وتزوجت أخيراً من مشعل رغم حبها الشديد لابن الجيران جهاد، الذي ظل في ذاكرتها رغم موته في حادث مروري، ورغم زواجها من مشعل الطبيب النفسي، الذي تعاطف معها كثيراً وحبها رغم معرفته لماضيها الأسود.. الماضي الرهيب.
انتهت حياة الــ نيلوفر بالانتحار بعد أن قتلت (عماد) أخو جهاد الذي استغلها لانتحاله شخصية أخيه جهاد عشيقها وحبها الأول !..
نيلوفر العقيم غير القادرة على الإنجاب بسبب استئصال رحمها (المسرطن) استحوذت على مشاعر ووجدان زوجها مشعل، الذي تزوج من شموخ حبيبته السابقة تحت ضغط من أمه، وهي التي حرمته منها وأجبرته على الزواج من نيلوفر بسبب خلاف مع أمها (أم شموخ)، مشعل الزوج العاشق والمحب الراضي الغاضب على النيلوفر ظل متيماً وقلبه متعلقاً هياماً بنيلوفر رغم موتها ورغم زواجه من شموخ التي لم تستطع أن تنسيه نيلوفر.!!
في هذه الرواية استطاعت (أماني) أن تصور المأساة من خلال أسلوبها البسيط القوي ولغتها الجاذبة المرنة، وقد نجحت في أسلوبها التشويقي، الذي يجعل من القارئ يبحر في المواصلة لكي يكتشف ما بها وما هي فيه من ماضي رهيب؟ استطاعت الكاتبة بأسلوبها وحبكتها أن تعكس وتظهر إسقاطات في المجتمع.. قضايا ومشكلات خلف الأسوار، وفي داخل البيوت، قـد كشفتها الروايات، ورواية (نيلوفر) كشفت ونفضت وأزاحت الغطاء عن كثيرٍ ممن هو مسكوت عنه في مجتمعنا..!
تقافزت الكاتبة بأدواتها الكتابية في تنوع وطرح وعرض مشكلة الـ نيلوفر مرة من خلال نيلوفر الضحية، ومرة أخرى من خلال سرد مذكرات كتبتها الـ»نيلوفر».
الرواية (نيلوفر) تحمل إسقاطات كثيرة وكبيرة.. المسكوت عنه في مجتمعنا يتلون بأشكال وصور عديدة، ولكن أخذت الشمس تُظهره وتنشره على الحبال..
الرواية (نيلوفر.. الماضي الرهيب) في مجملها رائعة وذات لغة روائية جميلة، رغم عدم خلوها من بعض الهفوات البسيطة، وفي اعتقادي لا يخلو أي عمل إبداعي من بعض الهنات والتي لا تحط من قيمة الإبداع فيه.. و»نيلوفر» إبداع يحسب لصالح الكاتبة أماني ويسجل لها بحروف زاهية، وهي من جيل الشباب الذين يحاولون بجهدهم أن يحفروا لأسمائهم مكاناً في بوتقة كُتاب الرواية في المملكة.
albatran151@gmail.com
- الأحساء