تابعت كغيري من الناس في المجتمع قضية الداعية الإسلامي الشهير، الذي قتل ابنته «لمى» بعد سلسلة من التعذيب والتنكيل البشع، ثم بحثت في «اليوتيوب» عن المقاطع الدينية لهذا الواعظ المجرم فكاد عقلي يطير.
تركتُ أحد مقاطعه الدعوية يعمل على جهازي، وانتقلت في الوقت نفسه إلى صور ابنته قبل وفاتها، وهي ترقد في المستشفى متأثرة بأفعاله اللاإنسانية، فذهلت من شدة التناقض، ومن قدرة أمثال هذا الوحش البشري على إتقان تمثيل دور الناصح المتدين أمام الكاميرات وفي وسائل الإعلام. هذه ليست المرة الأولى التي تنتشر فيها أخبار جريمة يرتكبها داعية إسلامي، فهناك عدد من الأخبار السابقة في هذا الشأن، وهذا مؤشر خطير يدل على وجود خلل كبير في موضوع الدعوة والدعاة.
عندما يرتكب الإنسان جريمة فهو يرتكب جريمة واحدة، إلا الداعية الذي يظهر للناس بصورة الواعظ الناصح الموجه المذكر بالله ورسوله؛ فهو يرتكب جريمتين عند ارتكابه أي جريمة، مهما كان حجمها أو نوعها؛ فجريمته الأولى هي الجريمة الظاهرة المعلنة التي يحاكَم بسببها، وجريمته الثانية هي مساهمته في تشويه الدين في عيون عامة الناس.
فليتك أيها الشيخ الذي تنصح في المساجد أو عبر القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية ومواقع الإنترنت وغيرها.. ليتك تحلق لحيتك وتعتزل المجال الدعوي، إذا كنتَ تمارس في الخفاء ما يناقض أقوالك وأفعالك في العلن؛ حتى لا تشوِّه دينك وسنن نبيك الكريم، وثق بأنك إذا لم تفعل فإن أمرك سينكشف للناس يومًا مهما طال ستر الله عليك!
كم هو مؤلم ومزعج ومحزن أن يكون أمثال هذا الإنسان الذي قام بكسر جمجمة ابنته وتعذيبها حتى الموت مصدرًا من مصادر ثقافة شريحة منا، وداعية من دعاة الفضيلة في بلادنا. تتبعت سيرته، فوجدتُه قد دخل إلى ساحة الوعظ والدعوة الإسلامية عبر باب «التوبة» من المخدرات وغيرها من الانحرافات، وهنا يكمن الخلل، الذي قد يصل بالمجتمع وثقافته وأخلاق أفراده إلى نتائج لا تحمد عقباها على المدى البعيد.
إن القناة التلفزيونية التي ظهر من خلالها هذا الشخص قناة شهيرة، ولها جمهور واسع للأسف، ويجب عليها وعلى غيرها من القنوات الدينية المشابهة التأكد من سير الأشخاص الذين تلمّعهم وتجعلهم يظهرون للناس في ثياب الناصحين والموجهين والمدندنين على أوتار القيم والمبادئ؛ لأن البسطاء يتأثرون بهم كثيرًا، بل يأخذون منهم الآراء والفتاوى والمعلومات الشرعية وغير الشرعية؟ ومن المهم أن أشير في الختام إلى أن حديثي وغيري عن وجود أمثال هذا الداعية المجرم الشاذ لا يعني أن غالب الوعاظ كذلك، ولكنها ظاهرة تتصاعد وتتفاقم، ولا بد من الوقوف أمامها بحزم.
- الرياض