Culture Magazine Thursday  27/12/2012 G Issue 391
فضاءات
الخميس 14 ,صفر 1434   العدد  391
 
انطباعات أدبية
القرية : بين شاعرين !
د. حمد الزيد

 

بين الشاعر السعودي مقبل العيسى وصنوه الإنجليزي أوليفر سمث تشابه كبير ولاسيما في موضوع واحد هو : القرية، مع أنّ البون شاسع بين الاثنين في العيش على الأقل ، فقد عاش العيسى بيننا حتى موته قبل سنوات قليلات ، بل إنني قابلته في (جدة) عدة مرات ! أما (سميث) فقد عاش بين أعوام 1728- 1774م أي قبل شاعرنا العيسى بأكثر من مئتي سنة.

والغريب أنّ الشاعر: مقبل العيسى لم ينل حظاً كبيراً من الشهرة ، ربما لعمله الطويل في السك الدبلوماسي في الخارج، وربما لأنه لم ينشر شعره في الصحف أو يطبعه في ديوان إلاّ فيما بعد، وربما لانفراد واحد من عائلته هو الشاعر: محمد الفهد العيسى بالشهرة ؟!

أيما كانت الأسباب ، فقد استقرت في ذاكرتي منذ سنوات قصيدة له بعنوان (قريتي) نشرت في جريدة (البلاد) السعودية قبل أكثر من ثلاثين عاماً... ولا يزال في ذاكرتي ووجداني لها فعل السحر! وطعم العسل ! ربما لأنني عشت سنواتي العشر الأولى في قرية نجدية مشابهة للقرية التي أبدع في وصفها (العيسى) الذي طلبت منه قبل نشر ديوانه أن يرسلها لي فكتبها بخط يده وأرسلها! وعندما سمعت بالصدفة قصيدة ( القرية المهجورة) ذات يوم بعيد لا أذكره تتلى من هيئة الإذاعة البريطانية الـ BBC ذهلت ! وتضاعفت متعتي ! ولاسيما بإجادة المصري: زاخر غبريال ترجمتها للعربية إجادة تصل لمستوى إجادة (رامي) لترجمة رباعيات الخيام!

وزاد من متعتي بأنني وخلال إقامتي في القاهرة في التسعينيات، وجدت كتاباً للدكتور غبريال في معرض الكتاب بعنوان : (روائع من الشعر الإنجليزي) فيه القصيدة المذكورة مع ترجمة للشاعر ، فتضاعفت متعتي!

با للأدب ومنه الشعر! كم يعطى للإنسان من زخم نفسي ومتعة وجدانية؟! وسأعرض من الذاكرة ما دمت أكتب عن الماضي بعضاً من مقاطع القصيدتين هنا ، ليس على سبيل المقارنة أو النقد وإنما على سبيل الاستشهاد ! ولأشرك القارئ معي في البهجة والمتعة التي رانت على مشاعري ، والتأثير الذي لا ينتهي ولا يُحدّ من المشاعر الوجدانية الفائقة.

يقول العيسى :

قريتي عدة أكواخ بسور تتحزم !

لو بنى النمل بيوتاً تحته حتماً تهدم!

فهي حقاً من بقايا عهد عاد!

ساكنوها عيشهم من قسوة الفقر

قتاد!

يأكلون العشب والضب وأطراف:

الجراد !

.......... الخ

ويقول سميث:

قريتي كم تهت في الماضي على الوادي جمالاً!

وعلى شطيك خصب ونماء

يملأن قلب أهليك سروراً !

كم مشى فيه الربيع المزهر..

باسماً قبل الأوان !

وتأنى الزهر في الصيف طويلاً

محجماً عند الوداع !

... الخ

لقد اخترت مقطعاً واحداً (كوبليه) من كل قصيدة، لكي يتذوّق معي القارئ بعض المتعة ، وعسى أن تكون فاتحة شهية له للاطلاع على نصّيْ القصيدتين الرائعتين – الخالدتين حقاً!

فهكذا يكون الشعر!

وعندما قرأت القصيدتين لعدة مرات ، تذكرت الماضي الذي لن يعود!

وأرجو من الله أن لا يعود! على بلادنا كلها!

وتذكرت الفارق بين قرى الريف الإنجليزي الفاتن بالجمال والأنهار والسواقي والخضرة ، وقد رأيته بنفسي، وعشت في ربوعه فترة من الزمان، وبين قرانا البائسة ذات البيوت الطينية والأزقّة المسقوفة الموحشة، والمحيط الصحراوي الجاف الذي يموت فيه الوحش والطير ناهيك بالإنسان من العطش!

هذا ما كان في الماضي القريب!

فسبحان مغيّر الأحوال؟!

يقول العيسى :

قريتي عدة أكواخ بسور تتحزم !

لو بنى النمل بيوتاً تحته حتماً تهدم!

فهي حقاً من بقايا عهد عاد!

ساكنوها عيشهم من قسوة الفقر

قتاد!

يأكلون العشب والضب وأطراف:

الجراد !

.......... الخ

ويقول سميث:

قريتي كم تهت في الماضي على الوادي جمالاً!

وعلى شطيك خصب ونماء

يملأن قلب أهليك سروراً !

كم مشى فيه الربيع المزهر..

باسماً قبل الأوان !

وتأنى الزهر في الصيف طويلاً

محجماً عند الوداع !

... الخ

لقد اخترت مقطعاً واحداً (كوبليه) من كل قصيدة، لكي يتذوّق معي القارئ بعض المتعة ، وعسى أن تكون فاتحة شهية له للاطلاع على نصّيْ القصيدتين الرائعتين – الخالدتين حقاً!

فهكذا يكون الشعر!

وعندما قرأت القصيدتين لعدة مرات ، تذكرت الماضي الذي لن يعود!

وأرجو من الله أن لا يعود! على بلادنا كلها!

وتذكرت الفارق بين قرى الريف الإنجليزي الفاتن بالجمال والأنهار والسواقي والخضرة ، وقد رأيته بنفسي، وعشت في ربوعه فترة من الزمان، وبين قرانا البائسة ذات البيوت الطينية والأزقّة المسقوفة الموحشة، والمحيط الصحراوي الجاف الذي يموت فيه الوحش والطير ناهيك بالإنسان من العطش!

هذا ما كان في الماضي القريب!

فسبحان مغيّر الأحوال؟!

- جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة