يدشن القاص سامي حسن الحسون في مجموعته القصصية «ويل للمصلين» مرحلة سردية جديدة يُجاذب فيها القارئ أدق التفاصيل، ويخوض معه أبعاداً إنسانية مختلفة، تصب نهاياتها في مجرى الحياة التي يعيشها البسطاء والكادحون والمسكونون بروح العفوية، والتشبث في الماضي، ومعايشة أدق تفاصيله ومكوناته.
فنحن أمام تجربة سردية تستشعر أهمية المكان، وتطنب في وصف الكائن البسيط وتدغدغ مشاعر الحالمين بقرب تحيق أحلامهم.. لا سيما تلك المتعلقة في تفاصيل يومهم، وتزاحم معاناتهم على نحو ما سرده القاص الحسون في نصه الأول «أنثى خارج السور البراني» فهو وإن غادر المكان على لسان الراوي، فإنه بلا شك يحن إليه، ويتوق شوقاً إلى سرد كل تفاصيله، فلا يكتفي بسرد ما هو قريب منه على المستوى الشخصي إنما هو معني بتفاصيل المكان في الشارع والحي والمدينة، ليُكِّون لنا هذا النسيج الحكائي العفوي خطاب الذكرى المشبع بالود والبساطة في بعض أحياء المدينة المنورة.
عناصر السرد في مجموعة «ويل للمصلين» تتكامل في إطار عام، يشكل المكان مرتكزاً مهماً في تفاصيل حكايته، فيما يأتي الزمان بحكم الاسترجاع، لتسبقهما الفكرة الواضحة للنص، وتليهما إضمامة من الأحداث التي يحركها الكاتب على نحو متميز ومتقن، فيما تبقى معطيات النص قابلة للتمدد والانكماش حسب مساحة التطاول في البوح، أو الاقتضاب في وصف حالة تكتمل فيها رؤية القصة ومعمارها الفني.
أما اللغة فإنها تأخذ فرصتها وجدل تكوينها الجمالي، ليساوق لنا الكاتب دلالات النص من منطلق لغوي يتقنه، ويتفنن في استدراجه من خلال خطاب السرد المتأنق على نحو ما ورد في القصة التي حملت اسم المجموعة «ويل للمصلين»، فاللغة هنا ذات أبعاد فنية مختلفة، فمنها ما هو للقص على نحو إبانة البعد الشعري حينما يصف في مطلعها جمال الفتاة «سلمى» في الجوار، وهي تسكن تفاصل القصة وكأنها قصيدة يدوزن الكاتب فيها مقاطعه الشعرية الأثيرة.
أما ما هو جمالي فإنه يتمثل في بناء منظومة الوصف للمكان المتمثل في المدينة أو الحي، وأخرى في هواجس لغة تصف أدق التفاصيل البسيطة لحياة من يسكن حي الراوي أو الكاتب أو الشخوص.. تلك اللغة التي توزع أدوارها وتحقق حضورها اللافت في النص كعنصر جمالي نافذ له سلطته على النص، إلا أن الحسون قد استقدمه بشكل متوازن يخلق أبعاداً تخيلية وواقعية يستمد منها النص قوته وأثره.
بيئة النصوص في هذه المجموعة تميل إلى ألق الأحياء القديمة في مدن الأمس.. تلك التي تعد شعلة من الوجد اللاعج لدى جيل بات يدرك أن الحياة تتغير وتتبدل إلى ما هو أقل جمالاً، وأضعف علاقة، وأكثر اغتراباً وتيهاً.. حتى أنك تنسج من قراءاتك لتلك القصص أنها باتت حياة عفوية لن تعود وإن سعيت إليها.
فالبيئة في فضاء النص محملة على هاجس إنساني يسكن الكاتب ويتشبث فيه قدر المستطاع رغم أنها تعد هواجس آتية من رحم المعاناة المعتادة، إلا أن الكاتب وفن السرد يخلقان منها أمثولة متناهية الجدة والفرادة بل يصبح حضورها واقعاً يعكس أبعاد المشروع السردي المتضمن توارد حكايات بيئة مدينة روحية تعشق السلام وتسطر أبهى درجات الكمال والتميز.. أليست هذه المدينة الطاهرة «المدينة المنورة» هي أعمق بيئة تترعرع فيها القيم الإنسانية الجميلة.. تلك التي تتمايز في النص كلحظة تنوير معتبرة، وغاية في الإدهاش.
شيء يمكن أن يذكر في هذه المجموعة أن فكرة كل نص تأتي واضحة لا لبس فيها، بل تسعى إلى جعل المحاور الفنية تدور حول مفهوم الجمال والإنسانية وحب الحياة والتشبث في الأرض والعيش بسلام مع من حولك، فهي منطلق الفكرة وأساسها.
أما شخوص العمل في كل قصة فهم من تلك الطبقة التي ينحاز إليهم الكاتب، فهم الكادحون والمتعبون والبسطاء الذين أخذوا على عواتقهم مهمة بناء هذه الصروح الإنسانية من الود والتسامح والعلاقات البريئة والمتوهجة في بعدها البريء حتى أنك لا تستطيع أن تميز بين بطل أو شخصية محورية في كل قصة وما سواها، لأن هذه النصوص قد استمدت من الواقع ما يكفل لها الخروج إلى القارئ بكل ثقة ووقار، وهذا ما سعى إليه القاص سامي الحسون في هذه الإضمامة السردية الجميلة من بوح يؤصل للحياة أدق تفاصيلها وأرق ما يمكن أن تكون عليه.
***
إشارة:
*ويل للمصلين (قصص قصيرة)
* سامي حسن الحسون
* دار أطياف للنشر والتوزيع ـ القطيف ـ المنطقة الشرقية
* الطبعة الأولى 1433هـ - 2012م
* تقع المجموعة في نحو (94 صفحة) من القطع المتوسط