Culture Magazine Thursday  26/04/2012 G Issue 371
الثالثة
الخميس 5 ,جمادى الآخر 1433   العدد  371
 
خطوٌ.. ومحو
سيرة كرسي ثقافي 22
إبراهيم بن عبدالرحمن التركي العمرو

 

* * في اقتناع شيخنا الدكتور عبد العزيز الخويطر - رعاه الله - أن على الكُتّاب جمعَ نتاجهم ونشرَه مهما كان رأيهم فيه؛ فهو مصدرٌ من مصادر القراءة التأريخيةِ للمؤلف وزمنه وفكره وأسلوبه وقضايا المجتمع وطبيعة تكوينه، وهو رأيٌ له وجاهتُه، وإن كان في بعض ما ينشرُ ما هو تعريةٌ لقائله وشهادةٌ ضده.

* * لم يأخذ صاحبكم بتوجيه أستاذه أبي محمد؛ ربما لاختلافه عنه فيها، وربما لأنه لم يعلم برأيه إلا بعدما أسقط من حسابه كثيرًا مما كتب؛ وبالأخص سبعةُ أعوام في مستهل علاقته بالقلم بين عامي1985و1992م، وكان كتابه الأول « سفر في منفى الشمس: قراءات في اغتراب الكلمة « قد صدر عام 1996م مشتملاً على ما كتبه في موضوع الاغتراب خلال أربعة أعوام سابقةٍ لصدوره.

* * لم يمنعه من جمع ما كتبه في السنوات الأولى أمرٌ متصلٌ بتقويمه لها؛ فهي لا تختلف عن مساراته التالية المعتمدةِ على قراءة الواقع الثقافي والعنايةِ بالشؤون الفكرية، لكنه لا يعرفُ - حتى اللحظة- دوافعَ إهمالها وإن كانت موجودةً في أضابيره الخاصة التي تحتاجُ لمعجزةٍ كي يتمَّ تنظيمها؛ فهو - في هذه ونحوها - فوضويٌ من الفئةِ الأولى.

* * قبل صدور كتابه الأول كان قد استكتبَ الشاعر العراقيَّ الكبير الأستاذ « سعدي يوسف 1934م- « ضمن حراك التطوير الشامل الذي شهدته صفحاتُ الأدب والثقافة، وكان الأستاذ يكتب - منتظمًا - في الصفحة الأولى لملحق الخميس، وبينهما حِبالُ ودٍ جميلةٌ دفعته - حين التقى به في القاهرة شتاء 1996م - لأن يُهديه نسخةً من كتابه الوليد بتوقيعٍ باذخٍ لا ينسى تفاصيله في بهو فندق « بيراميزا» في حي الدقِّي.

* * كانت استجابة شاعرنا الكبير ملفتةً وسروره باديًا، لا لأهمية الكتاب بل لما عمر بينهما من محبةٍ واستلطاف بدوا عابرين ثم تلاشيا سريعين حين التقى به ظهيرة اليوم التالي وإذا التعاملُ مختلف واللقاء جاف والصورةُ الزاهيةُ باهتة.

* * لم يدرِ تفسيرًا للأمر، ولم يحاول سؤاله عما لاحظه من تغيير؛ فالمسافة العمرية والرمزية بينهما تمنعانه من اختراقها، وهو ما لا يزال يشعر به أمام أساتذته، وربما اكتفى بالصمت حين يجدُ أن لشيخٍ من شيوخه رؤيةً يختلف فيه عنها أو معلومةً يثق بخطئها.

* * تخيل أن الجفوة ظلالٌ طارئة لا تلبث أن تزول، لكنها بقيت على حالها طيلة أيام إقامتهما في مصر وسكنهما في فندق واحد؛ حتى كاد ينقطع السلام والكلام، ولم يكتفِ الأستاذ بذلك بل أوقف نشر مقالاته في أدب وثقافة بعد ذلك اللقاء.

* * نسي الموضوعَ أو كاد، لولا أنه - في لحظةٍ نادرةٍ - عاد إلى كتابه ليقرأَ شيئًا فيه لسببٍ لا يذكره، وصاحبكم من النمط الذي لا يطيقَ استعادةَ ما كتب أو يأبه به وآخر عهده لحظةُ إتمامه،حتى إنه ينسى ما كتب، وحين يُذكّره بها سواه لظرفٍ معين يجد نفسه محرجًا ألا يذكر متى وأين وكيف، ولا يعرفُ لماذا، ولم يلجأ لعرافٍ نفسيٍّ يشفيه أو يرقيه.

* * وجد في أول صفحات الكتاب تحت عنوان « الثلاثية في استفهام الغياب» انتقادًا حادًّا لنصٍ شعري فيه:

«ماذا في غرفة هذا الفندق كي تشعر أنك حر.. مروحة السقف اصفرّت منذ سنين..وأغصان السّجادة ناصلةٌ.. والأستارْ.. ورق الحائطِ والطاولةُ... الكرسيّ المخلوع على قائمتين ونصفْ والدولاب بلا باب... إلخ «(سفر في منفى الشمس ص 17)0

* * أطرق قلبُ صاحبكم وغامت رؤيته - كما قال شاعرنا الكبير عمر أبو ريشة - وقال - مع أرخميدس: وجدتُها؛ فقد عثر على سبب التبدل المفاجئ في علاقة الأستاذ الكبير به؛ فالنصُّ لسعدي يوسف نفسه رغم عدم الإشارة إلى اسمه إذ جاء عَرَضًا في موقف انتقاد للشعر والشعريَّة، وهو ما لم يهِن وقعه على الشاعر اللامع، وربما ظنَّ الإهداء مقصودًا لإطلاعه على نقده إياه، ولو درى أن صاحبكم ذو ذاكرةٍ غير عذراءَ مثلما هو مجاملٌ لا يسره إزعاجُ تلميذ بله أستاذ لربما عذره أو حاوره أو تجاهل تلك الإشارةَ؛ فلكلٍ الحقُّ في قبول ورفض ما يشاؤه من كتاباتٍ وأفكارٍ وإبداعات؛ فلسنا مقدسين ولا نصوصنا مقدسة، وخسر صاحبكم من ساعته علاقته برمزٍ بارز.

* * يدعو لشاعرنا الكبير بطول العمر ويعتذر له، ويعدُ في الكرسي التالي بحكايةٍ جديدة.

Ibrturkia@gmail.com twitter:@abohtoon

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة