عسير وعاصمتها أبها، هذا الجزء من وطننا الغالي، يحرك الشجون ويبعث في النفس الرغبة لزيارتها، كلما لامسَ جباهنا سموم الصحراء.. وجفت الشفاه، منطقة حباها الله بخضرة وماء زلال، يتجدد مع كل غيمة تكتسي بها جبالها.. وهضابها، تقف مشرئبة على هامة السودة، لتهدي من فيها وما جاورها زخات حب وترحيب عبر قطرات المطر.. تختم بمغازلتهم بضباب يعيد للروح حيويتها.
الماء والخضرة والقلوب الطيبة
عسير اسم يتبعه اليسير، فلا عسير فيها ولا صعاب تعيق عشاق الجمال، فقد سهلت السبل وأصبحت الطبيعة في متناول يد كل من زارها ، عبر طرق معبدة وإمكانات مهيأة وقبل هذا وذاك أمن وأمان وارتياح للفرد أو العائلة، ماء وخضرة.. وقلوب طيبة، (مرحباً ألف) شعار وعبارة تسبقها الابتسامة، مجتمع مرح بطبعه رغم قسوة الطبيعة، مجتمع يحب الجمال والطبيعة فجعلوا من أوراق رياحينها وزهورها إكليلاً على الرأس، هذا الواقع كفيل بأن يُنبت مبدعين في الشعر والرواية والفنون التشكيلية وفي الإنشاد والغناء، يمتعون الأذن بالأهازيج والقصائد، إلهام يحرّض الشعراء ويستفز فيهم الكلمة كما للألوان نبع يروي عطش التشكيليين ويحملهم على أكفه إلى مراسمهم ولوحاتهم.
أسماء رائدة وأخرى جديدة
من هذا المقدمة التي نستخلص منها ونصنع بوصلة نستدل بها على محاور موضوعنا هذا الأسبوع، وهو الفن التشكيلي هناك، ابتداء بأوائل الأسماء، مروراً بالأجيال اللاحقة، وصولاً إلى الشباب الذي لا ينقطع مداد تكاثرهم وحضورهم ومنافساتهم، وعند البحث عن الخطوات الأولى في مسيرة الفن التشكيلي في أبها نجد أن من الأسماء الرائدة كما هي الأجيال في بقية مناطق المملكة، حيث إن البدايات قد حصرت في الجيلين الأول والثاني، ونذكر هنا من الجيل الأول كلاً من الفنانين عبد الله الشلتي ومفرح عسيري وعبد الله حماس وعلى العلكمي، تبعهم جيل آخر لا يبتعد عن بدايات هؤلاء كثيراً منهم الفنانون عبد الله شاهر، حسن عسيري، عبد الله القدسي، علي مزهر، محمد سبار، ومن التشكيليات منى مطاعن، سلمى معنى، هيا الصفار (سنأتي على ذكر بقية الأسماء بمن فيهم من أشرنا إليهم كنماذج للأجيال).
والحقيقة أن هناك تساؤلاً يتبادر إلى ذهن كل متابع لهذه المنطقة الغالية من بلادنا، كما تساءلنا في العدد السابق عن الحراك التشكيلي في المنطقة الشرقية الذي خبا ضوؤه وتراجع نشاطه المنافس، لنطرح السؤال في هذه الجولة على فناني منطقة عسير يدفعنا إليه ما احتضنه إصدار بلون أخضر كجبال عسير، اشتمل على باقة من الأزاهير التي يُمثّلها التشكيليون هناك، صدر هذا الكتيب (الكتالوج) عن فرع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بأبها، عام 1420هـ، أي ما يزيد على الثلاثة عشر عاماً بعنوان: دليل الفنانين التشكيليين، اشتمل على نخبة متنوعة من الأسماء البعض منهم توقف والبعض نافس على العالمية ، نذكر من هؤلاء الذين ذكروا في الإصدار كلاً من، عبد الله شاهر، عبد الله الشلتي، عبد الله القدسي، مفرح عسيري، علي العلكمي، سعيد الشهراني، محمد السليطين، علي مزهر، عائض عباس، على مرزوق، عبد الله البارقي، فائع الألمعي، عبده عريشي، صديق كاشف، علي حمود، خالد الشهري، محمد شراحيلي، عبد العزيز العواجي، سعيد سعيد، ناصر عباس، أحمد الحفظي، عبد العزيز مهدي، عبد الله الشمراني، محمد فارع، إبراهيم ماطر، عبد الله هادي، إسماعيل الصميلي، محمد الشهراني، حسن الشهري، عبد الناصر غارم، وغيرهم.
هذه الأسماء ومن جاء بعدهم خلال السنوات العشر اللاحقة وما يتوقع زيادته في مستقبل الأيام، نتيجة التشجيع والاهتمام بالفن التشكيلي هناك، وبما حظيت به المنطقة من سبل العرض والمراسم وخلافها وبما يجده التشكيليون من تقدير من أمراء المنطقة في مقدمتهم الأمير خالد الفيصل، الذي حقق لأبها ما لم يتحقق لغيرها بإنشاء قرية تحمل اسم الفنون التشكيلية وهي قرية المفتاحة، وما يجده التشكيليون في عسير من دعم متواصل من الأمير فيصل بن خالد أمير عسير، الذي شرّف ورعى الكثير من المعارض ، كل هذا يجعلنا نعود لطرح السؤال الأبرز.. أين النشاط التشكيلي الذي عُرفت به أبها؟؟.. ونعني في محيطها مع تقديرنا للحضور المتميز للكثير من الفنانين هناك في مختلف المحافل التشكيلية على مستوى المملكة.
قرية المفتاحة بين الغبطة والحسد
أعتقد وقد أجزم أن عين الحسد قد طالت قرية المفتاحة بعد أن تجاوزت النظرة إليها حدود الغبطة من قبل التشكيليين في مختلف مناطق المملكة، فلم نعد نسمع كثيراً عن نشاطها الذي كان له صدى على مستوى المملكة والخليج والعالم العربي، حيث جاء الثناء عليها من كثير من التشكيليين الذين التقيت بهم في عدد من الدول الخليجية والعربية وكان إعجابهم يتمثّل في أن إنشاء القرية يمثل مدى ما وصل إليه الاهتمام بهذا الفن. لقد كانت القرية في أول أعوام إنشائها مطلباً وأمنية الكثير من التشكيليين بأن يُدعوا لها ويمارسوا إبداعهم في مراسمها التي تقع في محيط يجمع كل عناصر الجمال وعناصر اللوحة، في جو يبعث المنافسة الشريفة، من خلال ما يشاهد من نشاط للتشكيليين المقيمين فيها في الفترة التي حددت لهم وتمت دعوتهم فيها. ويمكن لنا هنا أن نستعيد ونذكر بما يشتمل عليه كل مرسم من غرف نوم في الطابق الأول وصالة استقبال ودورة مياه ومطبخ صغير إضافة إلى مساحة المرسم في الدور الأرضي كاملة كورشة عمل، يتم إسكان اثنين من الفنانين في كل مرسم من المراسم السبعة.
هذا النشاط السابق لا شك أنه مدعوم من قبل جهة رسمية حكومية أو جهة خاصة من القطاع الخاص، وهو الدور الأهم في تحريكها وتنشيطها، لكنني أجزم أن لدى الكثير من التشكيليين الرغبة في منحهم فقط المكان، وسيتولون ما يتبع ذلك من تذاكر سفر ومصروفات وحتى التجهيزات.. والأدوات الخاصة للرسم، فالمهم المكان وفي هذه المدينة الرائعة، (أبها).
أجيال تنافس إلى العالمية
وفي الوقت الذي نترك للأحبة في أبها الإجابة على هذا السؤال نعود للحديث عن التشكيليين في أبها ، منهم الرموز التي قادت البدايات ومنهم الأجيال الجديدة فقد وضعوا.. ونثروا.. ونقلوا واقعهم كسفراء لمنطقتهم، بمختلف الأساليب منهم الواقعيون الكلاسيكيون ومنهم السرياليون والتجريديون وصولاً إلى الفنون الحديثة المعاصرة التي يُمثّلها جيل عبد الناصر غارم وأحمد ماطر ومن تبعهم الذين حققوا النجاح العالمي ابتداء من عسير ومن مصادر إلهامها وهذا التحرك والحضور لم يغفل فيه من تبناه من التشكيليين بالإشارة إلى أول انطلاقته من أبها أو من إحدى قراها.
كما لا ننسى جهود الكثير ومنهم الفنان عبد الله شاهر وتواصله مع الفنانين في مختلف مناطق المملكة ومساهماته الشخصية في المعارض أو تمثيله للمملكة أو عضويته لمجلس إدارة الجمعية السعودية للفنون التشكيلية إضافة إلى إدارته لمركز الملك فهد الثقافي بأبها، ولا ننسى الفنانين عبد الله الشلتي صاحب الأسلوب الأميز والحضور العربي وصاحب الجوائز والتاريخ كما نستحضر الفنان عبد الله حماس الذي ما زال نشطاً محلياً وعربياً ومساهماً بمعارضه الشخصية في إثراء الساحة كما نقدر للفنان مفرح عسيري جهوده ومساهماته وبقية الزملاء هناك الذين لا يتسع المجال للحديث عنهم وعن إنجازاتهم ورفع اسم المملكة عربياً وعالمياً بشكل عام واسم منطقتهم على وجه الخصوص.
تأتي هذه الإطلالة على الفن التشكيلي في أبها كمشاركة لهم في جهودهم وليست توثيقاً أو رصداً دقيقاً لذا نعتذر عمن لم نذكر أسماءهم أو نشير إليهم فلكل فنان في المنطقة مهما كان عمر حضوره ومشاركاته الحب والتقدير.
monif@hotmail.com